• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : لماذا لم يقاتل النبي المنافقين؟! .

لماذا لم يقاتل النبي المنافقين؟!


لم يقاتل النبي المنافقين لأن الله لم يأمره بذلك، وإنما أمره بجهادهم، والجهاد أوسع دائرة من القتال، الجهاد اسم واسع؛ يدخل فيه المجاهدة بالكلمة والبيان والمال والموقف.. الخ، أما القتال فهو خاص بالقتال العسكري، أي بالسيف، وجهاد المنافقين قد حصل.
عامل النبي المنافقين معاملة المسلمين؛ مادام أنهم يتظاهرون بالإسلام، وهذا من تحقيق الإسلام لحقوق الإنسان؛ أي في المعاملة بالظاهر دون الباطن، الباطن لله وحده، حتى لو علمه النبي صلوات الله عليه.
محاسبة المنافقين على النيات من اختصاص الله؛ ليس من اختصاص نبي ولا حاكم ولا مذهب ولا علم، وهذا درس إلهي للمسلمين؛ خلاصته أنه إذا لم يبح الله لرسوله محاسبة المنافقين على الباطن فمن باب أولى ألا يبيح لأحد محاسبة الناس على الباطن.
ثم الله لم يشرع العقوبات الدنيوبة إلا على الذنوب الجنائية، كقتل النفس والسرقة والبغي وقطع الطريق والزنا.. الخ، وهي تتعلق بحقوق البشر في الدنيا.
الدرس التاني:
أنه إذا كان الله لم يشرع عقوبة دنيوية على أصحاب الدرك الأسفل من النار فمن باب أولى أنه لا يحق لأحد تشريع عقوبات على من هم دونهم.
ودرس ثالث:
أن بقاء المنافق بلا عقوبة فيه تحقيق سنة إلهية عظيمة، وهي (سنة الابتلاء)، كبقاء إبليس تماماً؛ ليتبين فرز من يعبدهم ومن يعبد الله.. لو شاء الله لأهلك إبليس وأولياءه من الكفار والمنافقين والمشركين والذين في قلوبهم مرض والظالمين والمفسدين.. الخ، أبقاهم ابتلاء لتقاومهم أنت.
يظن الكثير أنه يجب على النبي تصفية المنافقين جسدياً، وتصفية كل من ليس مسلماً، وهذه ثقافة شيطانية للمزايدة على الله ورسوله، لا تشريع إلهي.
الشيطان يدخل على المتدين من دينه؛ ليدفعه للزيادة على الشرع مزايدة وكبراً، ثم يزين له الكذب على الله ورسوله تديناً بتشريع العقوبات الوضعية.
الشيطان يريد من الإنسان أن يشعر بأنه أكثر تديناً من النبي نفسه؛ وأنه أحرص على الدين من الله نفسه؛ فإذا شعر المتدين بهذا يكون قد أهلك نفسه.
الشيطان همه الأكبر أن تشاركه في معصيته الأساسية (الكبر)، ومن رأى أنه أحرص من الله ورسوله على دين الله فقد شارك الشيطان في كبره قطعاً.
الدين لا يخضع للرأي والاستحسان الذاتي؛ هو طاعة وتسليم كامل؛ هو ثقة مطلقة بالله؛ بأنه لا يشرع إلا ما هو أحكم وأسلم، ولو خالف هوانا الذاتي.
نعم مجاهدة المنافقين وذكر علاماتهم الكبرى واجب على النبي اتباعاً للقرآن الذي ذكر علاماتهم وحذر من عظيم فتنتهم؛ لكن المجاهدة ليست القتل، الكافر المعتدي تجب مجاهدته ومقاتلته معاً، والمنافق تجب مجاهدته فقط، أي مجاهدة سلمية؛ مادام أن المسألة مسألة ثقافة نفاقية دون جناية مادية.
المنافقون لهم ثقافة كبيرة جداً؛ جعلت بعض الصالحين يسمعون منهم ويدافعون عنهم، رغم نزول الوحي ووجود النبي؛ فكيف مع هجر القرآن وغياب النبي؟!
فالله أبقى المنافقين فتنة؛ كما أبقى الشيطان فتنة؛ ليترقى عقل الإنسان وفهمه في تجاوز فتنتهم، ليكون الناجون من فتنتهم هم عباد الله حقاً.
المنافقون لهم ثقافة كبيرة، فلا تستهينوا بها؛ فقد وجد من صالحي الصحابة من كان من السماعين لهم؛ فكيف بكم؟
انظر الآية:

(لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)) [ألتوبه]

الناس في عهد النبي ثلاث فئات:

1- منافقون.
2 - متعاطفون معهم وسماعون لهم من الصالحين.
3 – صالحون.

فلهم الثلثان (من حيث التوزيع الفئوي لا العدد)، الناس يعرفون أن هناك فئتان فقط، منافقون واضحون، وصحابة صالحون ضدهم، وهذا خلاف الإخبار القرآني بأن الصحابة فيهم فئتان :

۞ (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ۖ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88)) [ألنساء]

إذاً فالنتيجة أن هناك ثلاث!
منافقون.
وصحابة سماعون لهم متعاطفون معهم.
وصحابة ضدهم.
فالقرآن يقول (فما لكم في المنافقين فئتين)، فالصالحون فئتان
ثم المنافقون فئات كثيرة، وتكتلات متحالفة معهم من اليهود، والمتربصون والأعراب.. الخ. ولقوتهم وثقافتهم انقسم الصالحون فيهم فئتين، كما أخبر الله.
المنافقون في عهد النبوة لهم ثقافة ومصالح وتحالفات، وهم طبقات في القناعة بثقافتهم وفي المكر وفي التجارة.. الخ، فلذلك كانوا يتوسعون اجتماعياً.
المنافقون في عهد النبوة لم يكونوا افراداً، كما نظن؛ بل هم فئات كبرى لهم قوة وثقافة، لذا القرآن الكريم خصص لهم مساحة كبيرة في القرآن الكريم.
المنافقون لهم ثقافة لا يستهان بها؛ وإلا لما انقسم فيهم الصالحون فئتين؛ ولما وجد في الصالحين من هم سماعون لهم، والاستهانة بهم هدف شيطاني.
الشيطان يريد تطميننا بأن المنافقين أفراد فقط، وأنهم معزولون؛ لا يسمع لهم أحد ولا يدافع عنهم أحد؛ وأنهم قد انتهوا بموت النبي، وغرضه (الشيطان) هنا واضح، من أهداف الشيطان - في التهوين من المنافقين - الطعن في القرآن؛ بأنه خصص مساحة كبيرة فيهم بلا داعي؛ فهم افراد معزولون لا أثر لهم ولا ثقافة.
ومن أهداف الشيطان - في التقليل من خطر المنافقين - أن يستطيع تمرير ثقافته عبرهم؛ بما يعاكس القرآن في ثقافته؛ وحتى تطمئن وتبتلع ثقافتهم بسهولة.
الشيطان يحمي أولياءه بالتقليل من عددهم وأثرهم، ويجعلك تنتقد القرآن بأنه انشغل بأفراد مساكين لا عدد لهم ولا اهداف ولا تخطيط ولا أحلاف.. الخ.

والخلاصة: أنك لو جمعت ما ذكره القرآن عن المنافقين ستجد مادة ضخمة جداً؛ لكن الشيطان أقنعنا بأن هذه المادة لا داعي لها؛ وهذا طعن في الله نفسه.
المنافقون أبقاهم الله للابتلاء والفتنة والتمحيص، كما أبقى الشيطان لذلك؛ لأن الإنسان مخلوق في كبد وتمحيص علمي وعملي؛ وليس للدلع والنزهة..
بل أكثر من ذلك؛ فقد جعل لكل نبي عدواً من شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا للهدف نفسه = الابتلاء والتمحيص والفتنة.
انظر ماذا يقول الله في هذا الشأن، وانظر الحكمة الإلهية في الآية التي بعدها:

(وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ (113)) [ألأنعام]

فهي الحكمة من ذلك.

(وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)) [ألأنعام]

اذاً فالله جعل لكل نبي عدواً من شياطين الأنس والجن؛ يوحون إلى بعضهم زخرف الأقوال!
لماذا يا رب؟
لتصغى الى زخرفهم أفئدة الذين لا يؤمنون.. الخ، فأنت مخلوق للابتلاء والاختبار والتمحيص، فلا تظن أن الله أبقى لك هؤلاء الشياطين من الأنس والجن والمنافقين عبثاً..
كلا.
حكمة الله في تمحيصك!
لا يجوز لك أن تقترح على الله أن يخلي لك الأرض من الشرور؛ فالله هو الذي يقدر لا أنت، هو الذي يريد ابتلاءك وتمحيصك، ولا خيار لك..
افهم هذا جيدا!
اقتراحك على الله أن يهلك الشياطين وزخرفهم، والمنافقين وثقافتهم.. الخ، يعني أنك تريد لنفسك عيشة نعيم ودلع مريح، لكن الله لا يريد ذلك..
افهم هذا.
أنت لا تمحص في عملك فقط، التمحيص الأكبر هو تمحيص القلوب والعقول والأسماع والأبصار.. الخ؛ فهذه هي خلاصة الإنسان، أكثر من الجوارح من أيدٍ وأرجل، الذي يعمر الأرض بالعدل والسلام  والتعاون على البر والتقوى واستثمار موادها هو العقل والقلب والحس قبل الجوارح، الجوارح تابعة لا متبوعة، وتمحيص العقل والقلب والسمع والبصر لا يكون إلا بثقافات شيطانية مزخرفة وثقافات نفاقية ضاغطة وتزيين ومكر.. الخ.
أنت شغّل عقلك وقلبك تنجو منها، افهم سنة الله فيك، افهم أن الله يريدك فاعلاً في هذه الأرض، ولن تكون فاعلاً بلا عقل ولا ضمير، ولو كنت أقوى المخلوقات جسدياً.
شغل مخك تفلح.
لو لم تكن ثقافة الشيطان والمنافقين فاعلة في المسلمين لما كانوا أكثر الأمم تخلفاً وجهلاً وتقاتلاً وتباغضاً وتهاجراً وتفككاً.. الخ..
هذا واقع.
الشيطان - بثقافته وأوليائه - أقنع كثيراً من البشرية بأن هذا التخلف والقتل والتباغض والجهل عند المسلمين إنما هو بسبب الإسلام..
وقد نجح كما ترون!
والشيطان وثقافته مبثوثة في أكثر ما تسمعه من دين كذباً على الله، بل هو يغرد ويتفاعل ويشوش على السنة أوليائه، كالذي يجعل تحذيرك منه دعوة له!
لن تكون صحيح الإسلام حتى تثق بأن الله أعلم منك؛ فإذا كثف ذم الشيطان والمنافقين فلا تتكبر وتقول (معلومات قديمة)! ففسادنا قديم أيضا!
لا يحب الله حرق المراحل، فلا تقل ساخطاً (قد اعترفنا.. فماذا بعد)؟!.. هذا جواب ساخط مستعجل ملول متكبر.
راقب.. كم غيرك اعترف وبقناعة؟
قليل جداً!
المعلومات العامة عن المنافقين هشة جداً؛ كظن الناس أن النبي وحذيفة يعرفان المنافقين كلهم؛ وهذا يرده القرآن، فاقرأ:

(وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)) [ألتوبه]

فإذا كان النبي لا يعرف المنافقين جميعاً - لشدة تخفي بعضهم - فهل تطمع أنت أن تعرفهم كلهم؟!
ربما في حالة واحدة: إذا أظهروا علاماتهم بعد النبي.
حذيفة لا يعرف من المنافقين إلا الاربعة عشر الذين حاولوا اغتيال النبي صلوات الله عليه فقط؛ هم فقط من أخبر النبي بهم حذيفة بن اليمان، وإسرار النبي لحذيفة بهؤلاء من أدلة الابتلاء والتمحيص أيضاً، أبقاهم فتنة لاختبار الناس؛ وليتميز من يعرفهم من علاماتهم وثقافتهم ومن يتبعهم، وإسرار حذيفة للسبب نفسه (الابتلاء والتمحيص)، ولتصغى إليهم أفئدة الذين لا يومنون بالآخرة (استشعارا لا اعترافاً فقط)، فلله في خلقه شؤون.
نعم.. حذيفة ذكرهم لعمار بن ياسر فقط؛ لأنه مؤمن مأمون؛ ولأن هذا لا يعد إفشاء عاماً؛ ولأن عمار كان - هو وحذيفة - مع النبي تلك الليلة؛ فله خصوصية.
وقد بقي أكثر المنافقين فتنة وتمحيصاً إلى اليوم؛ وآيات القرآن في المنافقين لا تنتهي صلاحيتها؛ والقرآن قادر على كشفهم إن تدبرته مخلصاً، وتستطيع أن تعرف ما إذا كانت ثقافتهم فاعلة في المسلمين أو غير فاعلة بقدر صدقك في تقييمك المسلمين، هل هم كما أراد الله أم لا؟!
الصدق صعب!

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1003
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 01 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28