• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : هل نحن نحن في عالم واحد أم عالمين اثنين؟! .

هل نحن نحن في عالم واحد أم عالمين اثنين؟!



من حق الشعوب العربية والمسلمة ألا تبقى محلاً لتجارب الحملات الإعلامية والنفسية؛ هذا استهتار بالشعوب واستغفال لها؛ ويتعارض مع أمانة الكلمة. وقبل أن أنتقل لمناقشة الأمانة الإعلامية أحب أن أبريء الشرع من هذا الكذب تحت عنوان (الحرب خدعة)؛ فالحديث يقول الحرب خدعة وليس (الحرب كذبة).



هل نحن نحن في عالم واحد أم عالمين اثنين؟!
طرحت هذا السؤال على نفسي بعد متابعة قنوات وقنوات مضادة؛ يتحدثون عن عاصفة الحزم؛ شككت أننا في عالمين!
في كل حرب نجد هذا التناقض بين وسائل الإعلام، ومثله نجد في التراث؛ فالتاريخ والحديث هي مثل هذه القنوات؛ كل طرف ينشر ما يحب كما يحب؛ وليس الواقع؛ فهل نستمر إلى نهاية الدنيا غير مستفيدين من الدروس؟!
نذم أحمد سعيد ونكرره؛ نذم الصحاف ونكرره؛ وهكذا!
أليس من حق الإنسان أن يحصل على المعرفة؟
ليس كلامي موجهاً ضد هذا الطرف أو ذاك من القنوات المتضادة، لأن السلبيات هنا وهناك، وحتى تعم الفائدة؛ أنا أتكلم عن حالات تضاد وتناقض واسعة فقط؛ لا يستطيع أحد أن يخالفني أن التضاد بين وسائل الإعلام حقيقة؛ هي حقيقة لا ينكرها أحد؛ إنما الكلام الآن: كيف نحلل هذه الظاهرة ونتلافى الأخطاء؟
أعرف جيداً أن متابعي هذا الطرف أو ذاك متناسبون؛ وليسوا على تصديق كامل هنا أو تكذيب كامل هناك؛ وإنما نأخذ الظاهرة كظاهرة؛ بأن لكل طرف قنواته؛ لكل طرف قنواته ووسائله وصحفه ومحللوه ومتطرفوه ... الخ؛ وهذا التضاد يضاد ما تعلنه كل قناة ووسلية من المهنية واحترام مشاهديها ونقلها الحقيقة.
البعض يقول: أنت ساذج ودقة قديمة.
الواقع هو هذا؛ الواقع أن الإعلام سلاح من أسلحة المعركة، ينشر ما يريد ويمنع ما يريد؛ ويكذب كما يريد الخ؛ وقد يزيد مستدلاً بأن (الحرب خدعة)؛ ويسوغ هذا التناقض والتضاد والدوامة التي يوقعون الشعوب فيها..الخ
طيب؛ لماذا لا تقولون هذا علناً؟؟
بمعنى؛ هل تريدون أن تبقى الشعوب دقة قديمة وساذجة ومستغفلة بينما أنتم تنعمون بالكذب والدجل والأكل والتضليل ..الخ؟!
هل هذا ما تريدون قوله بالضبط؟
من حق الشعوب العربية والمسلمة ألا تبقى محلاً لتجارب الحملات الإعلامية والنفسية؛ هذا استهتار بالشعوب واستغفال لها؛ ويتعارض مع أمانة الكلمة. وقبل أن أنتقل لمناقشة الأمانة الإعلامية أحب أن أبريء الشرع من هذا الكذب تحت عنوان (الحرب خدعة)؛ فالحديث يقول الحرب خدعة وليس (الحرب كذبة).
الحرب تختلف عن الإعلام؛ أي أثناء المعركة نعم؛ قد تخدع خصمك؛ هذا شيء ثاني؛ بل حتى لو تبارزه بالسيف قد تظهر أنك تريد ضرب رأسه وتضرب بطنه؛ هذا مختلف؛ الحرب خدعة بمعنى قد تخفي عن خصمك أموراً وتظهر له أخرى؛ قد تلتف عليه؛ قد تأتيه من حي يأمن..الخ
هذا هو معنى الحرب خدعة؛ وليس الكذب العام.
إذاً فالحرب خدعة هو حقيقة فطرية على الأرض أثناء الحرب؛ وليس الاشتغال بالكذب اليومي، هذا ليس خدعة؛ هذا كذب وإثم وأماني؛ وسيرتد عليك يوماً ما. الأفضل والأتقى هو العمل الإعلامي الاستراتيجي  الذي يعتمد الموضوعية ويبني المصداقية ويخترق الطرف الآخر؛ وليس هذه الوجبات السريعة من الخداع. وإن قال بعضهم: نحن الصادقون والآخرون هم الكاذبون, قيل له: وهذا لسان الآخر؛ وأنا - ككائن فضائي نازل إلى الأرض - من حقي ألا تجرب فيّ خداعك واستغفالك؛ والحل ليس هذا.
أعني؛ ليس أن يقول كل طرف أنني الصادق والآخر كذاب؛ بل أن يقول: انظر لكلامي وكلامه؛ وأنت عاقل وستعرف من الأقرب للحقيقة والصدق.
قائل هذا القول يحترمك كإنسان كريم، له عقله وسمعه وبصره؛ أما الذي يقول : أنا الصادق والآخر كاذب فهو يستغفلك ويسلب منك إنسانيتك وعقلك وكرامتك.
البعض يقول: هذا ليس وقته؛ كن مع وطنك!
الجواب: تخاطب من؟
السعودي أم اليمني أم السوري أم العراقي أم المصري أم الصهيوني.. الخ؟! تذكر كلامي عام؛ يكون الإنسان عاقلاً بقدر ما يستطيع الخروج من هذا العالم كله.
كما قلت: كأنه كائن فضائي نزل إلى الأرض؛ ووجد هذا العبث البشري في الأقوال والأفعال؛ الكائن الفضائي سيستغرب قتل البشر بعضهم بعضاً - في أي مكان - وتضادهم في الأقوال والأحكام والتصورات والتصديق والتكذيب...الخ؛ سيقول: من أنتم؟
قدرة الإنسان وحضارته وعقله وضميره إنما يكون عند التضاد والتنازع والتباغض والأحقاد والدماء؛ أما أيام السلم والرخاء فالجميع عاقل ومتمدن وإنسان؛ لا يجوز الدول والأحزاب والقنوات تعطيل قدرة الإنسان على التفكير والسمع والبصر، فهذه جريمة في حق الإنسان، لا يجرؤ على فعلها من نسميهم كفاراً؛ المسلم أولى بالعقل والسمع والبصر والفؤاد، وهو واجب عليه شرعاً توظيف هذه الملكات والأمانات التي منحها الله له، ومن حقه أن يفكر ويتساءل؛ وإذا كنت أنت من البلد ( أ ) ولم تعقل هذا فانظر للناس في وطن ( ب )؛ ألا ترى أن من حقهم التساؤل؟
فلماذا ترى من حقهم وليس من حقك؟
لماذا تتناقض؟
لابد لهذه الأمة العربية والإسلامية من وجود عقلاء يفكرون ويتساءلون  كأي شعب في هذا العالم الفسيح، لابد من وجودهم ولو كانوا قلة أو أفراداً؛ العقل نعمة؛ وحفظه من مقاصد الشريعة الكبرى، وكلامي هذا عام للأمة كما كررت؛ لأن لي ملاحظات على كل هذه الوسائل الإعلامية المتضادة المستغفلة لنا.
بعضهم يقول:
الآخرون يكذبون ويستغفلون؛ فلابد من الكذب والاستغفال.
والجواب:
هل يقهر الكذب إلا الصدق؟ فلماذا لا تحارب الكذب بالصدق؟ وتكسب الأمرين؛ أوامر الله كلها خير؛ وتكسبك الدارين؛ خذ الصدق مثلاً؛ ينفعك في الدنيا والآخرة؛ ويجعلك عالمي الأخلاق إنساني الطبع رباني المنهج متصالحاً مع نفسك؛ بل أنت تكسب التعاطف عندما تعترف بخطأ؛ أو تشعر بندم على خبر نشرته فتسعى لتصحيحه؛ أو على خبر كتمته فتسعى لنشره؛ هذا يجعلك إنساناً مكرماً واثقاً؛ لا تنخدع للشيطان بأن الكذب أفضل من الصدق وأكثر فائدة وأثراً؛ هو أثر محدود تكتيكي يصحبه الضنك والخوف؛ ويلاحقك على مر الأزمان؛ لماذا كل هذا؟
الخلاصة: أنه يجب أن تتصالح مع نفسك؛ لا تذم أحمد سعيد وتمدح أمثاله؛ وتذم الصحاف وتمدح صحافات؛ المعلومة لا دخل لها بالعاطفة؛ حيد عاطفتك وابحث.
القرآن الكريم أعطانا المنهج؛ وسجل على المسلمين وهم مع رسول الله أنهم أعجبتهم كثرتهم يوم حنين، وأن بعضهم عصوا يوم أحد ..الخ؛ الصدق يبني الإنسان؛ والحل للعاقل وسط هذا الإعلامات والقنوات المتناقضة والكتاب البلدانيين، أن يقارن، وينظر، ويأخذ ويترك، ويحافظ على توازنه؛ ويحيد عاطفته هنا.
إذا شعرت القنوات والمحللون والإعلاميون؛ عامة؛ بأنك أنت - كمتلقٍ ومشاهد - إنسان حر كريم لست مغفلاً سيحترمونك؛ وتسهم في رفع مستوى الموضوعية والمهنية. وأغلب النزاعات بين البشر هي نتيجة معلومات خاطئة مضللة دعائية؛ من قديم؛ فيهلك الناس أنفسهم بسبب هذه الدعايات في التنازع والعصبيات؛ ثم ماذا؟
ثم ما تعرفون من تبعات هذه المعلومات؛ من تحريض الناس على بعضهم ثم التنازع والتقاتل؛ ثم ماذا؟  فالدنيا فانية؛ (وللآخرة خير لك من الأولى)؛ اتعظوا.
كلامي هنا عن هذا التحريض الإعلامي؛ من جميع الأطراف؛ وكل طرف يقول نسبته أقل؛ لا مشكلة؛ المهم أن تضعوا أقدامكم على أول الطريق؛ لا تغرنكم الدنيا. لا تسخروا بأن هذه مواعظ؛ فنعم الموعظة التي تحقن الدم وتصلح ذات البين وتبني الإنسان؛ وبئس ضرتها التي تستحل الدماء وتفرق الناس وتبني الأحقاد.
أكرر بأن كلامي هذا عام لجميع المسلمين؛ بشتى طوائفهم وأوطانهم؛نعم لتوظيف المشتركات وكظم الغيظ والعفو عن الناس؛ والله يحب المحسنين.
لا يفيدكم إبداء رأيي في أي قضية - وغالباً لا يرضي الطرفين - المفيد هو أن تنطلقوا من مشتركات عليا؛ أن تخففوا من العاطفة لصالح العقل والدين.

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1102
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 04 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 19