• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : مقالات وكتابات .
                    • الموضوع : مؤتمر الرياض للحوار بين المذاهب .

مؤتمر الرياض للحوار بين المذاهب

استثنائياً، سنتحدث اليوم عن اقتراح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لإقامة مؤتمر حوار بين المذاهب الإسلامية (مقره الرياض)، والذي كان خطوة متقدمة وسارة وغير متوقعة، في ضوء الانقسام السياسي والمذهبي الذي يسود العالم الإسلامي اليوم، وخاصة بين السنة والشيعة وبين المملكة وإيران.
لقد فاجأنا الملك عبدالله بهذا الاقتراح ذي البعد الإيجابي سياسياً ومذهبياً، وقد اعتدنا من الملك عبدالله المفاجآت بأمور حسنة غير متوقعة، داخلياً وخارجياً، كان من أوائلها مؤتمر الحوار الوطني الداخلي (والذي نجح الغلاة في إماتة آثاره التي كنا نتوقعها)، ثم كان مؤتمر المذاهب الثمانية في مكة (والذي نجح الغلاة مجدداً في كبته وإهماله)، ثم كان للملك عبدالله تلك الورقة ذائعة الصيت في المصالحة العربية في مؤتمر القمة الاقتصادية في الكويت (قبل سنوات، والذي تبخر نتيجة التجاذبات السياسية)، وغيرها، فلعل «العاشرة» ثابتة! - إن شاء الله- في هذا الحوار الدائم بين المذاهب يكون مقره في الرياض (إن لم ينجح الغلاة مجدداً في إفساده وإطفاء نوره). وبالرغم من كل التخوفات المشروعة، فإن هذا الاقتراح من خادم الحرمين يؤكد ما كررناه كثيراً بضرورة التقاء المسلمين ومعرفة بعضهم بعضاً- حتى لو سبق فشل وفشل وفشل- وتوظيف المشتركات وقطع الطريق على الغلاة الذين يعشقون الاختلاف، وتأكيد الكراهية بين المسلمين، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى التكفير ثم استحلال الدماء ثم سفكها، والنتيجة الفوز بإشباع الغرائز الجاهلية، مع غضب الله وعذابه، وهذه النتيجة النهائية المؤلمة (سفك دماء المسلمين) هو منظر أمتع في عيون الغلاة والمتطرفين من رؤية شلالات (نياغرا) في عصر يوم ماطر! إن مثل هذه المبادرات يجب أن تشكر، وأن يبقى المسلم متفائلاً، - حتى وإن لم نتفاءل ليس معنا إلا هذا الطريق- لتقليل الغلو والمذهبية إلى أدنى مستوى ممكن، إضافة إلى أن هذه المؤتمرات والخطوط العريضة يبقى لها فوائد تراكمية، ولو لم يكن من فائدتها إلا أن يتنفس عبرها الباحثون اللاهثون عن الاعتدال والذين يسوؤهم هذا الصراع الأبدي المرشح للتحول إلى حرب مذهبية وطائفية بين المسلمين، فلو لم يكن من الفائدة إلا هذا التنفس لكان خيراً لا شراً. ونصيحة للمؤتمر من باحث يزعم أنه أسهم في نصرة هذه المشتركات والقواطع - التي بإهمالها أهملنا رأس الإسلام، واهتممنا بأصابع المذاهب- نصيحتي أن تكون للمؤتمر ثلاثة أهداف رئيسة: الأول، تكتيكي سريع، ويتمثل في الإعلان السريع والعام بإسلام جميع المسلمين وحرمة دمائهم وأموالهم وأعراضهم، والدعم السياسي لحرمة دم المسلم مهما اختلفت المذاهب واحتدت. أما الهدف الثاني، فهو هدف إستراتيجي متوسط المدى (على لغة الصواريخ)، يتمثل في عرض كل مذهب لقائمته من الحقوق، وأجمل ما في مذهبه من المحاسن، مع البراءة من أسوأ ما تضمنه المذهب، وخاصة في مجال حقوق الإنسان، ليتبع ذلك نصرة المتفق عليه ونشره والحث عليه. أما الهدف الثالث، فهو إستراتيجي (بعيد المدى)، فهو اكتشاف الإسلام من جديد، إسلام المعرفة والعدل والسنن الإلهية في الخلق، والشهادة لله والصدق والضمير والقضاء على الفقر ..الخ، وغيرها من القطعيات المكثفة قرآنياً والضامرة مذهبياً، فالإسلام فوق المذاهب بكثير، سواء ما يخص المعرفة والحقوق وكرامة الإنسان والترتيب الصحيح للأولويات (إعادة ترتيب الأوامر والواجبات على أساس قرآني لا مذهبي، وإعادة ترتيب النواهي والمحرمات على أساس قرآني لا مذهبي)، واكتشاف الإسلام سيكون أصعب مرحلة يمر بها المؤتمر، وأنا أشك في نجاحهم في هذا الاكتشاف، لأن الإسلام (عاد غريباً بكل ما تعنيه الكلمة)، إلا أن مجرد المحاولة قد تسهم في تراكم معرفي قد يؤدي ولو بعد قرن أو اثنين إلى نقلة نوعية معرفية للمسلمين يلحقون بها الأمم، وخاصة في المجالين المعرفي والحقوقي اللذين يتفرع عنهما كل خير. كون الاقتراح يأتي من الملك السعودي، ويكون مركز الحوار بالرياض، يتناسب مع مكانة المملكة التي هي قلب العالم الإسلامي، وفيها الحرمان الشريفان وعلى أراضيها الجسد الشريف للنبي صلوات الله عليه، ما يحمل المملكة مسؤولية طبيعية تتناسب مع هذه الخصائص، وهنا لابد من سعة الأفق والانفتاح على جميع المذاهب الإسلامية واحتواء المسلمين، فليست المملكة كأي دولة مذهبية - ولا يجوز أن تكون كذلك- بل الواجب أن تكون مع الإسلام في مشتركاته وقطعياته، فهذه المشتركات والقطعيات أولى بالتفعيل من التفصيلات المفرقة التي لن تؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام والتطرف والتطرف المضاد. إضافة إلى أن تبني المملكة لهذا الحوار يقطع الطريق على تلك الطفيليات التي تنمو على هامش المملكة المذهبي والدعوي، والتي تشعر المسلمين بأن المملكة وشعبها كلهم على رأي تلك الطفيليات، وأننا كسعوديين مع هذا التطرف والانغلاق والعنف، وإن حدثت أخطاء في الماضي أو في الحاضر (من بعض المحلي) فلا عيب في المراجعة والتقييم وإعادة النظر والتصحيح. إن هذا المركز الحواري هو فرصة للجميع، لجميع الدول والمذاهب، لتصحح الصور الذهنية عنها، والتي رسختها المذهبية نفسها والخلاف السياسي نفسه، والأكثر ألماً أن كل دولة وكل مذهب يرجع تقوقعه وانغلاقه إلى الإسلام نفسه، نتيجة التقليد وضعف المستوى العقلي عند المسلمين، فهي فرصة إذن، لمن أراد أن يعرض وجهه الذي يرتضيه لنفسه، ومجرد اجتماع المذاهب الإسلامية في الرياض (وخاصة السنة والشيعة) في مركز حواري دائم، لابد أن يترك أثره في الشعوب المسلمة، وخاصة هؤلاء العامة المساكين الذين يحبون في الشيطان ويبغضون في الشيطان، وهم يظنون أنهم يحبون ويبغضون في الله ولله وعن الله ومن الله وإلى الله.

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=114
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 09 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19