• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : تفكيك نيات (الدواعش) المخلصة. .

تفكيك نيات (الدواعش) المخلصة.



                      تفكيك نيات (الدواعش) المخلصة.



علمنا جزئي ناقص معظمه حسب الظاهر؛ وعلم الله كلي كامل شامل باطن تفصيلي.. ولكن لا بأس من الأخذ بالظاهر؛ فهذا الذي في وسعنا أيضاً.

لمطالعة مقالة "الغلاة وداعش؛ كناقش الشوكة بالشوكة!" على هذا اللرابط «««

لمطالعة مقالة "لن تضعف داعش إلا بصدق خصومها!" على هذا اللرابط «««


البعض ينبهر من الدواعش؛ وما يظهرون من صدق نية وإخلاص، ويقولون: هذا يخالف بحثكم عن النية بأنها الأصل.  ويقولون: أنت تعذر حتى الملحدين تحت الآية (لا يكلف الله إلا وسعها)؛ أليس الدواعش أولى بالعذر على ما نراه في صدق نياتهم وإخلاصهم وصبرهم؟
وهذا الكلام ظاهره صحيح، ولكن إذا بحثت في باطنه وجدته باطلاً؛ لماذا؟
لأن النية الصادقة يجب أن تكون مصاحبة في العلم أولاً؛ ثم العمل. فهل تظنون أن الداعشي مخلص النية في العلم قبل العمل؟ هل تظنونه لم يقرأ في القرآن عن حرمة دم المسلم مثلاً؟ ( ألم تكن آياتي تتلى عليكم)؟
خلل الداعشي هو خلل المنافق؛ فالمنافقون ذكر الله عنهم أنهم (لا يشعرون/ لا يعلمون/ لا يفقهون/ يحسبون أنهم مهتدون)؛ فهل هم معذورون لهذا؟
الجواب: كلا؛ المنافق غير معذور في حسبانه أنه مهتدٍ؛ لأنه كان يستطيع أن يشعر ويفقه ويعلم؛ ولكنه عطل هذا وقلد شياطين الإنس واتبعهم. الشيطان يحتال على هؤلاء، فيدعوهم للعجلة في العلم حتى يتعلموا علماً مشوهاً؛ ثم يأتيهم بضرورة النية الصادقة والإخلاص؛ هم فرطوا في النية الأولى.
خذوا المنافق مثالاً؛ قال الله  (أنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون)
(فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ۗ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (30)) [سورة الأعراف]
هذا الحسبان هو نية صادقة؛ ولكن بعد ماذا؟!
لذلك؛ نية الداعشي تستعجل في العلم؛ ولا تتدبر القرآن؛ وتسمع لأهل الثرثرة والمواعظ الساذجة، ولو أنهم التزموا بالقرآن وتدبروه ما ضلوا ولا قتلوا؛ والبلاء في النية أتتهم من شياطينهم وأحباره  ورموزهم، فهم من يضلونهم بغير علم؛ ويهدونهم سبيل السعير، وقد تحدث القرآن عن المضلين والضالين.
المضلون هم البلاء الأكبر الذي ينتج الضالين الصادقين الذين يحسبون أنهم مهتدون؛ وهذه نتيجة من نتائج الانغلاق الفكري وحصر الجميع في مذهب واحد؛ لذلك نحن نطالب من قديم بالانفتاح على الإسلام في أعاليه؛ وأن نؤجل المذهب في أسافله وتفصيلاته، وطالبنا بالمنطق والفلسفة، ولكن لم نجد استجابة.
ثقافة الغلو انتشرت من قديم لأسباب مادية وإعلامية وتعليمية معروفة، وكان لابد من مواجهة فكرية؛ لكن الناس اطمأنوا وظنوا أن هذه الثقافة معزولة؛ ومع ذلك؛ فالداعشي إذا استحكم غباؤه وجهله؛ قد يعمل الله له نهاية ليس فيها سفك دم، من قتل أو انفجار سيارته قبل المكان؛ أو يقتل مستحقاً؛ أما قتل المستحق فقد يقتل محتلين لبلده مثلاً، فهذا معقول؛ وقد تنفجر به السيارة؛ وقد يموت؛ وقد يُقتل قبل أن يَقتل؛ وقد يتوب؛ فالله بصير بالعباد؛ ولكن من قتل أبرياء غير مستحقين للقتل شرعاً - سواء كانوا مسلمين أوغير مسلمين - فهو تحت الوعيد، ولن ينفعه شيوخه ولا رموزه ولا عجلته في العلم.
مرة قلت لبعض الأخوة، لنا ألأحكام الظاهرية والله عنده علم البواطن والدقائق، فقد يدخل النار رجل قتل مع النبي ويدخل الجنة رجل قتل مع الكفار؛ أما المقتول مع النبي فقد يكون منافقاً - وكانوا يغزون معه - وأما المقتول مع الكفار فقد يكون مولى طباخ أو سائس؛ لم يسمع النبي ولم يعرف الهدى؛ وقد اعترف المسلمون بالحالة الأولى في قصة قزمان ومدعم صاحب الشملة، ولكن المقتول مع الكفار قد يستغربون، ويحتاج لإيضاح:
كانت قريش تبعث عبيدها للرعي في ضواحي مكة، ويصطحبونهم في السفر، فربما - أقول ربما - وجد مولى لم يلتق بالنبي قط وخرج معهم خادماً وأتاه سهم فقتله؛ وهو في شؤون الطبخ!
أيضاً كان هناك من تعذبه قريش وتجبره على الخروج معها، فربما نيته أن ينضم للنبي؛ وقتل وهو يسعى لذلك الانضمام، فما حكمه هنا؟
الشهادة والجنة.
لكن نحن في كتبنا نقول قتل من المشركين يوم أحد كذا وكذا؛ وقد نورد هذا المسكين فيهم؛ ولكن قد يعلم الله منه ما لا نعلم، ننتظر يوم تبلى السرائر..
علمنا جزئي ناقص معظمه حسب الظاهر؛ وعلم الله كلي كامل شامل باطن تفصيلي.. ولكن لا بأس من الأخذ بالظاهر؛ فهذا الذي في وسعنا أيضاً. لذلك الظاهر في الداعشي أنه تحت الوعيد، والظاهر في رجال الأمن مثلاً أنهم تحت الوعد، فقد يكون خصم داعش ظاهراً معهم باطناً؛ ولم يعرف التوقيت!
رجال الأمن يدافعون عن الحرمات، يقاتلون تحت أصل صحيح = منع الإفساد في الأرض؛ وداعش همتهم القتل لكل من يظنونه ظناً من خصومهم، هناك فرق واضح.
والخلاصة: أن الأحكام الظاهرة هي العمدة، وقد يظهر لك ما لا يظهر لي، أو العكس، وهكذا؛ ولكن لا عذر لداعش مع قطعية حرمة الدماء التي هي فطرية. أعني؛ أن الجرائم المشهورة؛ كالقتل والسرقة والغش ..الخ؛ حرمتها وقبحها عقيدة فطرية عالمية؛ أودعها الله في قلوب البشر حتى لو لم يكن عندنا دين. فكيف والداعشي يجد الآيات الناهية عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق؟! والحق المستثى بينه الله في كتابه؛ وليس العمدة على أمزجة الغلاة.
إذاً؛ ما ترونه من إخلاص الدواعش هذا أتى نتيجة ثقافة نفاقية شيطانية قديمة، أنتجت فساداً معرفياًَ؛ ثم هذا الفساد أضل به المضلون خلقاً كثيراً؛ راجعوا الحوارات في القرآن بين القادة وألأتباع؛ ستجدون الفريقين مدانَين، الجميع لم يطلب العلم بنية صادقة، فكسب معرفة فاسدة؛ ثم أخلص بها بعد!
لابد من دراسات عن (النية) والصدق فيها؛ من أخلص النية لن يضل أبداً؛ لكن يخلص من أول الطريق؛ وليس الإخلاص في الجريمة النهائية.
الذين يشيعون أن الدواعش خوارج - ويحصرون الخوارج في أهل النهروان وأشباههم - يغالطون ويخادعون، لم يكن الخوارج هكذا.. لي فيهم تفصيل طويل. الخوارج المتقدمون لم يكونوا يرون الاستباحة والاستعراض؛ باستثناء فرقة البصرة (مسعر بن فدكي) والأزارقة، بقية الخوارج يعذرون بالجهل والتأويل؛ الدواعش ليس معهم كتاب لابن الأزرق ولا لمسعر بن فدكي؛ كتبهم ومصادرهم وتراثهم معروف جداً؛ وقد قرروا في مدارسهم؛ كفى خداعاً وتهرباً وتلبيساً.
عاصرت - من قديم – المخادعين؛ وهم ينسبون  تلاميذهم المتطرفين لجهات شتى؛ مرة لافغانستان؛ ومرة للإخوان؛ ومرة للترابي وعمر البشير؛ ثم اليوم إيران!
نحن بحاجة للمصارحة والمكاشفة؛ لأنه يمكن؛ وبسهولة جداً؛ هزيمة الفكر الداعشي وكبت المضلين ورد الضالين؛ ولكن دون أن ننقش الشوكة بالشوكة!

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1208
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 08 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18