• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : مقتطفات من كلام الشيخ .
                    • الموضوع : الآيات في معنى الزكاة «قرآنياً» .

الآيات في معنى الزكاة «قرآنياً»

المقالات الاسبوعيه - جريدة كويتية

في الحلقة السابقة ذكرنا الفرق بين الزكاة بالمفهوم القرآني وكيف استطاعت السلطة عبر التاريخ تقزيم المعنى القرآني للزكاة حتى حصرت ذلك في ذلك النصيب القليل (الذي يجب على الدولة أخذه مباشرة من أصحاب الأموال)، ونسوا أن الله قد ترك لضمائر أصحاب الأموال تنفيذ الواجبات الأخرى في المال، من عدم كنزه (إنفاق ما فوق الحاجة) سواء في مشاريع خيرية أو تجارية، وسنتحدث عن (آية الكنز) في الحلقة القادمة وكيف أن مذهبنا اليوم فيها هو مذهب السلطة فقط، وليس مذهب القرآن الكريم.

لكن هنا نستعرض بعض الآيات في بيان معنى الزكاة (قرآنياً)، وهو معنى مهجور ومن الصعب جداً أن تقنع الناس به لأن الإسلام البشري قد سيطر على عقول الناس وتصوراتهم، إلا أن الواجب هو البيان وعدم الكتمان، والآيات كثيرة جداً وكل آيات الزكاة في القرآن الكريم تصب في المعنى القرآني الشامل، ولكن لا يمكن استعراضها جميعاً، وإنما سنضطر لذكر بعضها فقط، فتعالوا معي لبعض الآيات فقط ودعوها تتحدث:

1 - قال تعالى في سورة الشمس، وهي من أوائل ما نزل من القرآن الكريم (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10).
وهذا المعنى هو المعنى القرآني العام الشامل، وهو من أوائل ما نزل في الزكاة بالمعنى القرآني، والقرآن الكريم له لغته الخاصة ورصيده اللغوي الذي يبني فيه لاحقه على سابقه، فالمعنى القرآني الأول يستقر في الذهن ولا يزول، ومن لا يدرك المعاني الأولى لدلالات ألفاظ القرآن سيلحقه الخلل قطعاً في إدراك المعاني اللاحقة، ومن هنا أتى فضل السابق إلى الإسلام، والملتصق بالنبي (ص) الذي لا بد أن يقوده حب المعرفة إلى الاستفسار عن كل معاني كلمات الوحي المتتابعة التي توسع المعنى الأول وتتفرع عنه ولا تلغيه أو تباينه، وفي المعنى نفسه قال تعالى في سورة عبس المكية: (عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) ... (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7). وقال في سورة الليل وهي من أوائل السور المكية: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18). وقوله تعالى في سورة الأعلى وهي من أوائل المكي أيضاً (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)، والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً.

وهذا هو المعنى للزكاة بالمفهوم القرآني، هو ذلك المعنى العام الشامل الذي يصلح أن يكون ركناً من أركان الإسلام، فالزكاة بالمعنى القرآني الشامل مفروضة من العهد المكي، أما الصدقات الواجبة- وهي جزء من الزكاة- ففرضت في المدينة، بدليل (إنما الصدقات للفقراء والمساكين ... الآية) فهذه الصدقات عند الفقهاء هي الزكاة عندهم تماماً! وهذا تفسير الشيء بشيء آخر من باب الاعتباط فقط، وكأنه من الصعب أن يقول الله (إنما الزكاة للفقراء والمساكين ...الآية)، ليس هناك لفظ في كتاب الله ينوب عن لفظ آخر، فالألفاظ ليست موضوعة اعتباطاً كما في كلام البشر.

2 - وقال تعالى في آية أخرى مكية من سورة فاطر تبين معنى الزكاة القرآني (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)- فاطر).
فهنا قرن بين الصلاة والزكاة بالمعنى القرآني لا بالحصر السلطاني في الأموال، فتنبهوا لهذا السياق جيداً.

3 - وقال تعالى في سورة «المؤمنون» المكية: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) [المؤمنون/1-4].
أيضاً الزكاة هنا بالمعنى القرآني ولذلك قال ( فاعلون)، وإلا كيف تفعل أنت الزكاة؟؟ كيف نفعلها؟! إن لم تكن تزكية النفس بالمعنى الشامل (تطهيرها من كل مساوئ الأخلاق).

4 - وفي سورة مريم أيضاً عن إسماعيل: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) [مريم/55، 56])، مع أن الأهل من زوجة وأولاد لا تجب عليهم الزكاة (السلطانية) فالمعنى هنا الزكاة القرآنية.

5 - وقال تعالى (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) [فصلت]. تدبروا هذه الآية جيداً، لماذا خص الزكاة هنا ولم يذكر الصلاة؟! مع أن المشرك لا ينتظر منه الزكاة بالمعنى الشائع؟ لماذا لم يقل في حق المشركين هنا (لا يقيمون الصلاة) لأن الزكاة هنا تشمل كل تطهير للنفس بما فيها الشهادتان والصلاة والصوم.. الخ.

6 - وفي سورة التوبة، وهي آخر السور نزول : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) [التوبة/103، 104]). هذه هي الزكاة بالمعنى الشائع، سماها الله صدقات، وهي تلك التي تجبيها الدولة من الناس، (وفي السيرة: كان النبي يبعث مصدقين) أي جباة للصدقات، التي هي الزكاة بالمعنى السلطاني، وهي غير الزكاة بالمعنى القرآني، وعدم التفريق بين الأمرين هو سبب هذا الخلط بين الزكاة بالمعنى القرآني والزكاة بالمعنى المذهبي والفقهي والسلطاني والشعبي ...الخ.

وسيأتي في حلقات قادمة أن السنة النبوية الصحيحة مع هذا المعنى، وكذلك تطبيقات وفتاوى كبار الصحابة كأبي ذر وبلال وعلي بن أبي طالب وغيرهم، وكذلك بعض فقهاء السلف ولكن السلطة في الأخير غلبت وهجرت كل الآيات والأحاديث والسير التي تصب في المعنى القرآني للزكاة، فلذلك وجب نقل هذا (الاكتشاف) الذي يملأ القرآن والسنة! من ذمتي لذمتكم.


  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=138
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 11 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28