• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : وفاة فقيه اليمن العلامة المنصور. .

وفاة فقيه اليمن العلامة المنصور.


                  وفاة فقيه اليمن العلامة المنصور.


معظم سيرة العلامة محمد المنصور موجودة على الأرض
في وثائق الإصلاح؛ في بيوت الفقراء؛ في نصرة المظلومين؛ في ذاكرة بناة الأوطان.. سيرته هناك.
لا تحزنوا لضياع بعض سيرة العلامة المنصور العملية؛ فأفضل السيرة ما جهلها الناس؛ وليس ما عرفوها؛ من دمعة سجود؛ واكرام يتيم؛ وصبر على مرض الخ

وصلنا قبل العيد خبر وفاة فقيه اليمن؛ العلامة المجتهد السيد محمد بن محمد المنصور؛ وقبل أن نكتب عنه ؛ ننقل عزاءنا ومواساتنا لأهله وذويه؛ وكل تلامذته ومحبيه؛ ولأهل اليمن جميعاً؛ فقد كان العلامة المنصور محل تقديرهم جميعاً.
العلامة المنصور كان مثالاً للعلم والثقة والتواضع؛ وافر العقل؛ محنك التجارب؛ ونال ثقة المختلفين - الملكيين والجمهوريين - أطراف ثورة ١٩٦٢ م.
عمل للإمام أحمد في تعز؛ وكان نائبه بمصر أيام مشروع الاتحاد الثلاثي (بين مصر وسوريا واليمن)؛ وتولى وزارة العدل والاوقاف بعد نجاح ثورة ١٩٦٢؛ فكان العلامة المنصور محل ثقل وتوازن بين الأطراف المتحاربة، واسهم في حماية الهاشميين داخل صنعاء من بعض السياسات الرعناء من بعض الناصريين. فقد كان؛ هو وأمثاله من العلماء؛ مصدر اطمئنان وتوازن بين كافة اليمنيين، وإبقاء الثورة في مسارها السياسي؛ وإبعادها عن المنحى العرقي والعصبي.
هنا تتجلى الحكمة اليمانية.
فالصراع - إن حصل - يجب أن يبقى في عناوينه السياسية بعيداً عن المذهبية والعرقية؛ وهذا ما لا يفهمه الإسلاميون اليوم؛ وجد العلامة المنصور ما وجده في سبيل إصلاح ذات البين؛ بين اليمنيين أيام الثورة وبعدها، وتعرض لكثير من المضايقات والتهديدات؛ لكنه أرسى السفينة؛ وساعده على ذلك تلك المكانة الكبيرة للعلماء بين مشايخ القبائل والمجتمع اليمني، فلم تكن يومئذ دواعش ولا دواهش، كانت الدنيا ما تزال بخير.
كانت ثورة 1962؛ وبعدها ثورة الدستور 1984؛ تشمل الزيدي والشافعي، الهاشمي والحميري، نعم؛ كانت هناك أحداث شاذة؛ لكن لم تصمد أمام العقل اليمني.
الخلاصة؛ أن وجود العلامة محمد المنصور وأمثاله من علماء النقل والعقل والرؤية، شكل مصدر توازن واطمئنان والتفاف المجتمع اليمني على المشتركات. وعندما بدأ الضغط السلفي في عهد الرئيس علي عبد الله صالح - إذ دعم السلفية والإخوان بقوة - خفت اسم العلامة إلا عند العقلاء والمخلصين. وبعد اختلاف أصحاب الأمس - صالح والإخوان والسلفية - عاد الجميع للالتفاف حول العلامة محمد المنصور وحمود المؤيد وغيرهم من أصحاب العقل والدين. ورأينا الرئيس السابق صالح يعتذر - عن أخطاء وقع فيها - ولاريب أن منها دعمه للإخوان ونسيانه مثل هذا العلامة المتواضع المتزن بعقله وحرصه.
كان العلامة المنصور للجميع؛ يفتح بيته للجميع؛ يحب الخير للجميع؛ وعندما يتحارب الأطراف كان يقل الكلام ويكثر النصيحة بالسر ويرسل الرسائل.
كان من أطباء الفتن، يبصر ببعد نظره مواضع القدر ومخاطف الفتن، وكلما تعب الناس من الخصومات تذكروا حكمته ونصحه واتزانه وبعد نظره..
كان لي شرف لقاء العلامة المنصور مرة واحدة عام 2000 م ، في زيارتي الوحيدة لصنعاء، زرته في بيته مع السيد المرتضى بن زيد رحمه الله. ورغم أنه كان لقاءاً واحداً؛ ولم يتجاوز النصف ساعة، إلا أنه كان كافياً  أن أسأل رفيقي السعودي  عندما خرجنا، لماذا لا نرى مثل هذا عندنا؟
كان العلامة المنصور يأسرك بتواضعه وأنوار وجهه وكلماته البليغة النابعة من قلب حشوه إيمان وحب وتسامح وفرح وترحيب بالضيف من أي مذهب كان.. كان العلامة المنصور إنساناً بمعنى الكلمة، وتحدث ببعض كلمات في التسامح؛ وأن الكتاب والسنة جامعة للجميع، وسمعنا منه الترضي على أحمد بن حنبل!
كان صديقي السعودي مثلي مندهشاً، ويردد: ما هذا النور؟ ما هذه الأخلاق؟ ما هذه السعة في الأفق؟ لماذا ليس مشهوراً؟ لماذا لا يعرفه الناس؟ الخ
كان حزب الإصلاح يومئذ في كامل قوته وجبروته، لم نكن نسمع في السعودية إلا الزنداني والديلمي وصعتر، لم يكن للعقلاء صوت ولا لقاء ولا شيء. والعلامة المنصور رحمه الله، أعطاه الله طول العمر؛ فقد ولد عام 1333 هـ ومات عن أكثر من 100 سنة؛ مات ومازال الناس يشعرون بالحاجة الماسة إليه.
أكثر أربعة رأيتهم متواضعين في حياتي هم:
العلامة المنصور.
والشيخ عبد العزيز بن باز.
والعلامة الخليلي.
والسيد محمد حسين فضل الله.
ماذا يعني؟
هؤلاء الأربعة - من أربعة مذاهب (زيدي، سلفي، إمامي، إباضي)؛ أجزم أنه لو أتاحت لهم السياسات والمذاهب الحوار سيتوصلون إلى مشتركات جامعة نافعة؛ ومازالت الفرصة قائمة لاجتماع (المتواضعين) من كل مذهب؛ فالتواضع هو جماع الفضيلة كلها؛ مع التواصي بالحق والصبر؛ والتكبر هو جماع الرذيلة كلها؛ لا تخشوا على المتواضعين؛ المتواضع يرجع للحق إذا وجد الدليل.
المتواضعون وحدهم مؤهلون لإخراج الأمة من المشروع الشياطاني في العداوة والبغضاء.
العلامة المنصور مقل في تأليف الكتب؛ لأنه عاش طوال حياته في العمل الرسمي وغير الرسمي - وزارات وأوقاف وإصلاح ذات البين واستشارات ولقاءات الخ .
السيد العلامة محمد بن محمد المنصور ليس كتاباً؛ ليس وظيفة رسمية؛ إنه سيرة هدى وأثر على الأرض؛ وأوصي محبيه بجمع هذه السيرة وتدوينها من الناس.
معظم سيرة العلامة محمد المنصور موجودة على الأرض
في وثائق الإصلاح؛ في بيوت الفقراء؛ في نصرة المظلومين؛ في ذاكرة بناة الأوطان.. سيرته هناك.
لا تحزنوا لضياع بعض سيرة العلامة المنصور العملية؛ فأفضل السيرة ما جهلها الناس؛ وليس ما عرفوها؛ من دمعة سجود؛ واكرام يتيم؛ وصبر على مرض الخ
رحم الله العلامة السيد محمد بن محمد المنصور؛ ملتقى الفضائل وقلب العترة؛ ورحم الله من سبقه من رفقاء الدرب؛ كالسيدين المؤيدي وبدر الدين وغيرهم.
تنبيه حول الشيخ ابن باز:
كثير من الأخوة اعترض على إيرادي الشيخ ابن باز رحمه الله في (العلماء المتواضعين)؛ ولكني على رأيي هذا لأسباب هي:
أولاً: لا يجادل أحد جالس الشيخ ابن باز أو حضر دروسه أو كان ضيفاً على مائدته كل جمعة، أنه كان من المتواضعين المجيدين للإصغاء وتحري الصواب.
ثانياً: الشيخ ابن باز تواضع لي وأنا مازلت طالباً صغيراً في جامعة الإمام، ورجع إلى أدلة ذكرتنها له في موضوعات سبق أن ذكرتها في مقالات سابقة. فإذا كان الشيخ يسمع من طالب ضعيف العلم بسيط ويبقى معه مستمعاً ومجيباً؛ بل ومتراجعاً عن أقوال قالها للتو، فهذا عندي بلاشك دليل على التواضع.
ثالثاً: هذا الثناء مني على تواضع ابن باز وإجادته سماع الآخر، لا يعني موافقتي له في كثير من الفتاوى في العقائد والتصوير ودوران الأرض الخ.
رابعاً: أنا قلت - لو أتيح لهم – أعني؛ لو أن السياسات والمذاهب والأتباع أتاحوا لهؤلاء الأربعة لقاءات موسعة وتدارس المسائل، فأنا أجزم فأنا أجزم بأن التواضع لن يقودهم إلا إلى خير. سيتفقون في المشتركات ووضع الاختلافات التفصيلية في حجمها الطبيعي.
لكن؛ للأسف؛ لم يتح لهم ذلك اللقاء.
-والجمهور عليهم مسؤولية أيضاً - فإذا كانت أسئلة الجمهور لأي فقيه هي عن التفاصيل طوال عمره، فلابد أن يتأثر بهذا الوسط وينشغل عن القضايا الكلية.
العلماء المتكبرون معروفون؛ المتكبرون بالمذهب والمنصب والجاه، لم يكن منهم الشيخ ابن باز؛ نعم؛ خالفه في فتاوى كما شئت؛ ولكن؛ لا تبخس الناس أشياءهم.
تنبيه آخر حول الرئيس السابق لليمن/ علي عبد الله صالح.
بعضهم اعترض بأنه لم يدعم الإخوان ولا السلفية؛ ومع كامل تقديري له؛ إلا أن الواقع يقول بلى؛ وهو نفسه - أعني الرئيس صالح - يقول: ((ارتكبت أخطاء في حياتي؛ وأنا أسف))
لا تكونوا ملكيين أكثر من الملك؛ وفق الله الجميع للاعتصام بحبله وحده.
تنبيه ثالث: قال بعضهم: أنت نسيت العالم الفلاني؛ فهو متواضع
والعالم الفلاني الخ..
إخواني: أنا تحدثت عمن قابلتهم شخصياً فقط؛ وفي الناس أمثالهم.

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1485
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 09 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28