• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : هل تستطيع أن ترسل رسالة للناس من داخل القبر؟! .

هل تستطيع أن ترسل رسالة للناس من داخل القبر؟!


        هل تستطيع أن ترسل رسالة للناس من داخل القبر؟!


تخيل أن تكتشف أن معظم ما تعلمته مغلوط؛ ومعظم ما تراه في الإعلام زيف؛ ولا تجد نصيراً ولا مؤنساً..
ساعة الحقيقة صعبة؛ ساعة الحقيقة صعبة لأنك أول ما تكتشفها تزول ركامات الأوهام تلقائياً؛ وفقدان الأوهام مخيف؛ تشعر بالفقر (وضل عنهم ما كانوا يفترون)؛ لا تجده أبداً؛ كل هذا الافتراء المطبق والزيف المحبوب والأكاذيب المتدافعة والأوهام المريحة.. كل هذا لا تجده! سراب (وضل عنهم ما كانوا يفترون).. تشعر بفقر شديد!

هل تستطيع أن ترسل رسالة للناس من داخل القبر؟
تخيل ذلك!
ماذا ستقول؟
كم من الأمور الكبيرة ستراها تافهة؛ تصور ! (قبر يتلاشى فيه كل الكذب)! ماذا ستقول للسياسيين؟ ماذا ستقول للدعاة والعلماء؟ ماذا ستقول للإعلاميين والمحللين السياسيين؟ لمن رضوا بالحياة الدنيا وزينتها؟ لكل هذا التيه..
نحن نتناسى الموت؛ نتناسى المعاد والحساب.
هذه الدنيا حصة اختبار قصيرة جداً؛ الرضا بالحياة الدنيا إثم وخطيئة في كتاب الله. كأنه خلاص! لا آخرة.
ذم الله الرضا بالحياة الدنيا لأنها الرضا بها يغرك؛ أما تذكر الموت؛ فيعيد لك الأشياء أقرب ما تكون لصورتها الحقيقية؛ تتقلص الزخاف وثقافة الغرور..
تخيل أن تكتشف أن معظم ما تعلمته مغلوط؛ ومعظم ما تراه في الإعلام زيف؛ ولا تجد نصيراً ولا مؤنساً..
ساعة الحقيقة صعبة؛ ساعة الحقيقة صعبة لأنك أول ما تكتشفها تزول ركامات الأوهام تلقائياً؛ وفقدان الأوهام مخيف؛ تشعر بالفقر (وضل عنهم ما كانوا يفترون)؛ لا تجده أبداً؛ كل هذا الافتراء المطبق والزيف المحبوب والأكاذيب المتدافعة والأوهام المريحة.. كل هذا لا تجده! سراب (وضل عنهم ما كانوا يفترون).. تشعر بفقر شديد!
ما أجمل أن تستعيد نفسك من الآن؛ قل: يارب؛ إني فقير إليك؛ اللهم لا تكلني لأحد؛ وأصلح لي قلبي وعقلي وسمعي وبصري.. اللهم أعني على نفسي وبصرني السبيل.
اعتزل الناس؛ ولو فترة؛ أقبل على الله؛ خاطبه، فهو يفهمك؛ قل : يارب؛ ماذا أفعل؟ هل أنا على حق؟ هل أنا مضلل؟ هل أنا واهم؟ اللهم كن معي، وسددني.
مجرد أن تطرح هذه الأسئلة ونحوها ... ستجد الله؛ الله لا يقبل عليك حتى تقبل عليه؛  لا يتبع الله مدبراً عنه ولا فاراً منه ولا متعاظماً بغيره. لا يمر علي يوم لا أتذكر فيه الموت؛ وأشعر بسعادة حزينة ـ أو حزن سعيد - أشعر أنه يغسلني من ذنوبي الداخلية التي لم أكن أنتبه لها..
تذكر الموت نعمة؛ حاول أن تتصالح مع الموت...
ستحزن في البداية وتستوحش؛ لكنه في الأخير؛ ستتصالح معه؛ ويطهرك من الداخل..
تحايل على تذكره؛ فهو معلم بلا كلام ولا كتاب.
ستموت؛ شئت أم أبيت؛ هو المستقبل القريب الذي لا يجادل في تحققه أحد؛ فلماذا الخوف من ذكر الأمر الحتمي؛ من فارقونا كانوا مثلنا؛ يتناسون الموت.
نعم؛ من فارقونا وكانوا يتحدثون مثلنا في أمور الدنيا؛ نخالطهم ونأس بهم ويأنسون بنا؛ والآن؛ أين هم؟ وكيف نسيناهم؟ هل يرون الأمور كما نراها؟
الموت لغز كبير جداً؛ طريق لم نسلكه من قبل لنخبر عنه؛ مجموعة تفسيرات متضاربة وتوقعات وشكوك.. الخ
ما حقيقة الموت؟
كيف ستشعر به مع أول وقوعه؟
هل ستكون في ما يشبه النوم؟
هل ستطلع على أخبار أهل الدنيا؟
هل ستتواصل مع من سبقوك إليه؟
هل ستصلك أخبار أبنائك وعائلتك وأصدقائك؟
هل هل ..الخ
الموت لغز كبير؛ انطفاء مرحلة قصيرة؛ وبداية مرحلة لا نهائية..
يااااه...
هل تستاهل هذه المرحلة القصيرة أن أجعل لها كل (هذا اللانهائي) الذي لي؟
أتخيل نفسي وأنا أطرح في القبر؛ ثم أفتح احتمالين..
الأول: أن لا يكون هناك انتباه إلى يوم الدين - على رأي بعض المعتزلة.
الثاني: أن أصحو وأنتبه.
ثم مع الاحتمال الثاني؛ أرجح انتباهاً روحياً (نفسياً)؛ لا جسدياً؛ لكني أرى الصخور والأتربة عن يمين وشمال؛ ولا أحد!
لا إله إلا الله..
وماذا بعد؟
أتخيل أن النفس تكون في مرحلة أكثر عمقاً؛ كخروج الطفل من بطن أمه..
بصرك حديد؛ وسمعك وإدراكك؛ لقد كشف الغطاء؛ أما الآن؛ فأنت في غطاء ، كما الجنين!
مجرد كشف الغطاء يريك الحقائق ناصعة مجردة... وعلى قدر جمعك (للحق والصدق في الدنيا) يكون أنسك بما كنت تعرفه من قبل؛ وبقدر تفريطك تستوحش جداً؛ لذلك؛ حاول أن تستكثر من عائلتك الجديدة؛ صدق/ بر/ إحسان/ معروف/ إكرام لليتيم/ إطعام مسكين/ بر والدين/ تفكر/ تواضع .الخ.. هذه عائلتك التي ستؤنسك..
تصور أيضاً؛ هذا السياسي الكبير عندما يموت؛ هذه الإعلامية الجميلة؛ هذا المحلل المشهور؛ هذا المفكر؛ حاول أن تتخيل كيف سيُسألون وكيف سيجيبون؟
حقيقة لا تعرف؛ بعضهم قد تتوقع نجاته لتواضعه؛ وبعضهم تتوقع وحشته لتكبره؛ هذا ما تستطيع أن تتوقعه؛ لكنك لا تعرف؛ فالله هو البصير بالعباد؛ لا أنت.
كذلك؛ تصور هذا المفتي؛ هذا الداعية؛ هذا الشيخ؛ هذا الشاب؛ هذه الفتاة؛ ماذا ستتوقع له؟
لا تتوقع جازماً؛ يكفي التفكر وطرح الاحتمالات؛ وبقدر...
نحن مساكين.. ابن آدم مسكين.. ظلوم جهول؛ إلا من رحم الله؛ ولا يرحم الله إلا من طلب الرحمة؛ أما المستكبر عنها، السادر في غيه وثقته بنفسه؛ فلا أمل.
تذكروا الموت، ولا ترضوا بهذه الحياة الدنيا:
{إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8)} [يونس]
انظروا خطورة الرضا هنا؛ الآيات تقول بوضوح: إذا أنت رضيت بالحياة الدنيا واطمأننت بها؛ قطعاً سترتكب ما يوجب دخول النار؛ لأن الموت والمعاد والحساب لا يخطر لك على بال!
كم رأيت من أناس لا يخطر لهم المعاد على بال؛ فيعيثون في الأرض فساداً؛ نسوا الله فلم يشعروا بالحاجة إليه؛ فنسيهم وتركهم في طغيانهم يعمهون.
الدنيا محاطة بالتزيين؛ ليس الماديات فقط؛ بل أكثر زينتها معنوية؛ فإياك والاغترار بها.. الفخر زنية.. الكبر زينة.. البغضاء زينة.. التشفي زينة.. الكثرة زينة؛ حتى الانتصار زينة. فإذا انتصرت على خصمك في محكمة؛ أو معركة؛ أو في الاستيلاء على حق من حقوقه؛ فذكر نفسك أن (النصر زينة).. لكن؛ هل هو هنا حق؟
متى ستتخلص من كل باطل؟
الباطل هو كالطلاء المكثف الذي يعميك عن جوهر الأشياء؛ وكلما تخففت من عبء وزينة هذا الطلاء؛ ظهر بريق الجوهر الذي تحتاجه.
من بلغ خمسين سنة فما فوق، أراه شبه مبعوث؛ ليتخيل أنه فارق هذه الدنيا وعمره ثلاثون سنة؛ فما الذي تغير في ال 20 سنة؟
هذا بعث مصغر؛ فليتعبر.
أحياناً أذهب إلى بعض الأحياء في الرياض؛ كنت أذكرها قبل ثلاين أو عشرين سنة؛ فأشعر أني بعثت من جديد؛ كأنني بعثت فعلاً..
تكون قد تغيرت كثيراً.
أحياناً أجد صديقاً قديماً أو زميلا؛ وأكتسب هذه العبرة أيضاً؛ كأنه مات ثم بعث مرة أخرى؛ أو أنا؛ كأني مت ثم بعثت!
ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار!
حتى صور أبنائك؛ انظر إلى صورهم قبل عشرين سنة؛ وانظر إلى حالهم اليوم..
لو أنك توفيت في تلك الأيام، هل كنت ستتوقع أن يكونوا كما هم اليوم؟
وهكذا.
{قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(8)}[ألجمعة]
إنه الموت!


مواضيع أخرى:
لمطالعة "إنه الموت!"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "عام هجري جديد 1438 هـ - ذكريات أبناء الخمسين -"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "عام ....على وفاة أمي!"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "محطات من حياة الوالد فرحان حسن رحمه الله."على هذا اللرابط «««
لمطالعة " مسكين هذا الإنسان!"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "احذروا الدنيا - قبسات من أقوال الإمام علي"على هذا اللرابط «««
لمطالعة " ذكر الموت يجعلك ترى الأمور في حجمها الطبيعي!"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "رحمة الله وسعت كل شيء."على هذا اللرابط «««
لمطالعة "نصيحتي لأصحاب ( الأحزان الصغيرة) - لا تنظروا للمصائب الصغيرة."على هذا اللرابط «««
لمطالعة "وقفه مع الذكريات والفراق." على هذا اللرابط «««
لمطالعة "هل نؤمن بالبعث والنشور؟!"على هذا اللرابط «««
لمطالعة " تغريدات المالكي حال علمه بوفاة والده.. المالكي الانسان."على هذا اللرابط «««

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1542
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 11 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28