• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : الطاغوت المعبود... ذلك المعنى المغيّب؟! .

الطاغوت المعبود... ذلك المعنى المغيّب؟!


          الطاغوت المعبود... ذلك المعنى المغيّب؟!


عندما أقرأ في التفاسير تفسيرهم لمعنى (الطاغوت)، أجدهم يتحاشون ذكر ما يريد الله التحذير منه! إذ؛ أجد أن غالب التفاسير تفسر (الطاغوت): إما بأشخاص، كحيي بن أخطب وكعب بن الأشرف، أو الساحر والكاهن والشاعر ..الخ؛ وعند الشيعة أبو بكر أو عمر؛ وكل هذه التفسيرات تبتعد عما أراده الله من معنى (الطاغوت)؛ فالطاغوت عدو كل الأنبياء، ولا يستقيم أن يكون ابن الأشرف وصاحبه ولا أبا بكر وصاحبه..
الطاغوت معنى لما يطغى على الناس، من قوانين أو معتقدات أو أشخاص، ويتبعونهم دون دليل؛ وطاغوت من الطغيان؛ لكنه اسم للمبالغة، كجبروت من الجبر؛ وهذا هو المعنى الجامع لما ذكره الله من كلمة (طاغوت)؛ فإذا طغت عليك أفكار تعاند بها الحق فهي طاغوت؛ وكذلك الأشخاص؛ إذا طغوا عليك فعاندت بهم. أما قصر التفاسير لمعنى الطاغوت في (الساحر أو الكاهن أو الشاعر أو بعض اليهود أو بعض المسلمين)؛ فهذا تقزيم للمعنى الذي ذكره الله، وهروب منه.
نعم؛ قد يكون الشخص المتكبر أو الظالم جزءاً من الطاغوت؛ أو أحد مصاديق الطاغوت؛ أو أحد صناع (الفكر الطاغوتي)؛ لكن لا يجوز تقزيم المعنى به؛ والواجب؛ إذا أردنا أن نتعرف على معنى ورد في القرآن، أن نبتعد عن العجلة والتخصيص؛ بل نتجه للقرآن ونتعلم منه معنى اللفظ،  بتجرد واتباع وخضوع..
فلنذهب إلى الله بصدق، بالذهاب إلى كتابه لنتعرف هذا العدو القديم (الطاغوت)، وهل يمكن أننا نعبده أم لا؟ وهذا يتم ببحث اللفظ نفسه ومتعلقاته.
أول الآيات المحورية في (الطاغوت) هو قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)} [سورة النحل].
آية عظيمة جداً.
تعالوا نتدبر؛ ألاية توضح أن:
1- الطاغوت قديم، وهو عنوان من عناوين الرسالات = من حيث محاربتها له.
2- الطاغوت ضد عبادة الله، فمن عبد الله حقاً تجنب الطاغوت.
3- أن ما ذكره الله هنا (الطاغوت) قد فصله في آيات أخرى؛ وستأتي- فلا تجوز العجلة باقتراح معاني لألفاظ مجملة قد فصلها الله في كتابه.
4- من هذه الآية يتبين معنى العبادة أيضاً بأنها (اجتناب الطاغوت)؛ وليست كما يظن البعض أنها صلاة وصوم وحج... فهذه من الشعائر والوسائل؛ والطاغوت قد يكونوا أشخاصاً تلبسوا بثقافة طاغية؛ فأصبحوا (طاغوتاً) وثقافتهم (طاغوت)؛ يخرجون الناس بها من النور إلى الظلمات؛ كما في الآية قال تعالى:
{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ .. } ماذا يفعلون؟
(يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} [البقرة)
فالطاغوت هنا - في آية البقرة السابقة - هم قيادات رأي؛ بدليل الجمع (يخرجونهم من النور إلى الظلمات)؛ والذي أطغاهم (ثقافة طاغوتية)؛ أي تراكم.. ولابد أن يكون لهذا الفريق (الطاغوت) حضوراً (طاغياً) داخل المسلمين؛ وإلا لما استطاعوا أن يخرجوا (السماعين لهم)  من (الظلمات إلى النور)، والآية تفسرها آيات أخرى؛ هي (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ..)
هؤلاء ظاهرهم الإسلام! لكن؛ ماذا يريدون؟
(يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ)؟!
ما هذا الطاغوت الذي يريد بعضهم التحاكم إليه؟!
هو القانون = ما وجدوا عليه الآباء.
الاية: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)} [سورة النساء]
فهذا الطاغوت (كثقافة طاغية متمكنة منهم)؛ تدفعهم للعناد واختيار التحاكم إلى هذه الثقافة بدلاً من الرسول؛ وهذا التمنع عن اتباع ما أنزل الله واتباع الرسول (نتيجة طغيان ثقافة ما عليهم) هو نفاق، وهذا مستمر في المسلمين إلى اليوم، ولكنهم لا يعلمون؛ وسيأتي الدليل على أن هذه ثقافة نفاقية - والثقافىة النفاقية هي ابنة الثقافة الطاغوتية - والثقافة الشيطانية أم لجميع الثقافات المعاندة للحق..
الدليل؛  (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا)؛ فهذه الآية والتي قبلها (عن الطاغوت) متتابعتان ( 60 و61) من سورة النساء؛ وهذا يعني ماذا؟
أن ثقافة الطاغوت هنا, قد تمددت إلى ثقافة نفاقية؛ ومن تتبع القرآن عرف ما يلي:
1- أنه مادام أن الرسل جميعاً أمروا بتجنب الطاغوت كضرورة لعبادة الله.
2- وأن الطاغوت من فروعه ثقافة النفاق.
3- وأن المنافقين يتمنعون عن اتباع (ما أنزل الله) وعن (اتباع رسوله)؛ رغم زعمهم أنهم (يؤمنون بما أنزل) إلى النبي!!
توقفوا.
الموضوع خطير !
هذا يعني أن (الطاغوت) الذي نظن أنفسنا بعيدين عنه، قد يكون مخالطاً لثقافتنا، فنكون من عبدة (الطاغوت) ونحن لا نعرف!
ممكن جداً.
ليش لا؟!
والدليل موجود في بعض المسلمين اليوم؛ فأنت تتلو عليهم محكم القرآن ولا يريدونه؛ يريدون ثقافة أخرى (طاغية عليهم)؛ فهذه من الطاغوت المعبود!
بقية الآيات في الطاغوت:
{الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ}!!
الطاغوت هنا معنى خطير أيضاً؛ فمن يقاتل عصبية، أو مذهبية، أو حزبية، أو لأي امر ليس (في سبيل الله) فهو يقاتل في (سبيل الطاغوت)؛ وما أكثرهم.. وكذلك نجد (الطاغوت = من ثقافة أو أشخاص يضر اتباعهم) موجودة في الأمم كلها؛ سواء الأمم السابقة أم اللاحقة..
الطاغوت هو من يسبب الشقاء للإنسان؛ وبما أن الرسالات أتت (ليقوم الناس بالقسط) فلابد أن يكون (الطاغوت) على الضد؛ فهو عقبة أمام تحقيق مراد الله من رسالاته؛ لذلك أُمروا بتجنبه.
إحياء القرآن يكون بإحياء معانيه التي أرادها الله من ألفاظه؛ وليس إحياؤه بمجرد التلاوة والبركة والتفاخر بالختمات ونحو ذلك؛ هذه حيل (طاغوتية).
ليس كل ما يطغى عليك طاغوتاً؛ كلا؛ لابد أن يتوفر فيه معاندة الحق؛ فالطاغوت = (طغيان معاند للحق)؛ أما ما يطغى عليه مما يوافق الحق ويسايره فلا.
أمثلة:
إذا وجدت نفسك مدفوعاً بقوة  طاغية للكذب على الخصم – بتعمد - فأنت تعبد طاغوتاً؛ وإذا وجدت نفسك مدفوعاً لقتل الآخر بلا ذنب.. وهكذا.. الخ.. عبادة (الطاغوت).
الشيطان سيبث فيك (ثقافة طاغية معاندة للحق)؛ تهلكك دنيا وآخرة؛ ولذلك؛ قال الله عن بعض الناس: (يقاتلون في سبيل الطاغوت).
الحل أن تحيي القرآن في قلبك؛ تحاول ألا تطغى عليك ثقافة عنصرية ولا عصبية؛ حاول أن تعبد الله وحده، وتتجنب ما (يطغى عليك) مما يعانده؛ تنجو.
نختم بآيات في صفات الذين يتجنبون الطاغوت؛ جعلنا الله وإياكم منهم.
يقول تعالى:{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)}[الزمر]
فلا تنشغل بمن يجادلك بالباطل والسخرية؛ فقد يكونوا ممن حقت عليهم كلمة العذاب..
دعهم.
نصيحتي: لنتدبر القرآن ونتجنب ثقافة الطاغوت؛ فالشيطان سيرسل (مخرجات ثقافة الطاغوت) ليشوشوا ويصرفوكم عن الفائدة؛ قولوا للشيطان "العب غيرها"! ستعرف أنك ممن يعبد الله إذا أنت مع البر والتقوى وحب الخير للناس؛ وتعرف أنك ممن يعبد الطاغوت إذا أنت مع العداوة والبغضاء وحب الشر للناس.
الكلام قد يتشابه؛ لكن الثمار هي البرهان.
انظر من من الناس ثمرته الخير والسلام = يعبد الله؛ ومن منهم ثمرته البغضاء والعدوان = يعبد الطاغوت.

مواضيع أخرى:
لمطالعة "الأصنام المعبودة في القلوب .... والحوصلة الحمراء! -"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "ابليس .. بين الكذب على الله وبين دين الله" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "ماذا نفعل بالصدق؟؟ نقبله أم نرده؟!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "البالونات المدللة!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "أمساكين الناس؛ عندما يظنون الكذب صدقاً؛ والجهل علماً؛ والغباء ذكاءً؛ وقتل البريء جهاداً!"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "الأصناف التي لعنها الله في القرآن الكريم!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "بداية الانحراف الأول عن الإسلام الأول ..متى كان؟! {الجزء السابع}!"على هذا اللرابط «««

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1587
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 12 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29