• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : آية الجزية ... والمعنى الذي غاب عن التنويريين والمقلدين معاً! - ألجزء التاسع - .

آية الجزية ... والمعنى الذي غاب عن التنويريين والمقلدين معاً! - ألجزء التاسع -


آية الجزية... والمعنى الذي غاب عن التنويريين والمقلدين معاً!


                                              - ألجزء التاسع -

                                    قريش في سورة التوبة - الجزء الرابع -



لمطالعة "آية الجزية ... والمعنى الذي غاب عن التنويريين والمقلدين معاً! - ألجزء الأوّل -" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "آية الجزية ... والمعنى الذي غاب عن التنويريين والمقلدين معاً! - ألجزء الثاني -" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "آية الجزية ... والمعنى الذي غاب عن التنويريين والمقلدين معاً! - ألجزء الثالث -" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "آية الجزية ... والمعنى الذي غاب عن التنويريين والمقلدين معاً! - ألجزء الرابع -" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "آية الجزية ... والمعنى الذي غاب عن التنويريين والمقلدين معاً! - ألجزء الخامس -" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "آية الجزية ... والمعنى الذي غاب عن التنويريين والمقلدين معاً! - ألجزء السادس -" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "آية الجزية ... والمعنى الذي غاب عن التنويريين والمقلدين معاً! - ألجزء السابع -" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "آية الجزية ... والمعنى الذي غاب عن التنويريين والمقلدين معاً! - ألجزء الثامن -" على هذا اللرابط «««
قريش وحلفاؤها هي موضوع سورة براءة لنقضهم العهود؛ وليست إعلاناً بالتفلت من العهود ولا للاعتداء؛ وقبل أن نواصل سؤال؛ هل تعلمون لماذا الشيطان وأولياؤه يتضايقون من اتهام أبي سفيان وقريش بنقض العهود ويرتاحون لاتهام الله ورسوله بنقض العهود؟
الجواب بسيط: لأن الشيطان يريد منا أن ننقض العهود بالدين؛ يريد منا العدوان بالدين؛ يريد منا أن نكون انتهازيين بالدين؛ يريد أن نترك مكارم الأخلاق؛ لأنه لا يستطيع الشيطان أن يقنعك بقتل المسالم؛ ولا بنقض العهد؛ ولا بتشويه سيرة نبينا؛ ولا بتسخيف الإسلام.. الخ؛ كل هذا لا يستطيع فعله بغير الدين.
لا يستطيع الشيطان أن يضلك إلا بأغلى شيء عندك – دينك - فإذا أضلك بالدين بقي هذا الضلال وتعمق واستمر فساده؛ أما بغير الدين فلا يستطيع..  لماذا؟ لأنك لا تستطيع التضحية بنفسك ومالك  لأجل عرف؛ أو قانون؛ أو نظام؛ أو رغبة في رضا قريب أو بعيد؛ فالنفس غالية؛ لكن بالدين يمكنك فعل كل هذا. لذلك؛ فالشيطان فاهم جداً؛ قطعاً سيكون فاهماً، خبرة طويلة ودخول داخل كل نفس بشرية ومعرفة أسرار هذه النفس واستجاباتها ..الخ.
الشيطان يضل بالدين؛ لذلك؛ أقنع المسلمين بمشروعه عن طريق الدين فقط؛ لماذا يتعادى المسلمون ويتباغضون؟ لماذا يحبون قتل بعضهم؟ كل هذا لأجل الدين - في ظنهم - فليس من مصلحة الشيطان أن تستجيب لأمر الله بالعدل والإحسان والبر والتقوى والصدق..الخ؛ بهذا سيخسر كل شيء؛ لابد أن يقنعك بضد ذلك؛ وبالدين نفسه! لابد أن يقنعك بأن القرآن يدعو لقتل الأبرياء للإكراه على الدين؛ وأنه يذل الآخرين (الصغار) لأجل الدين؛ وأنه ينقض العهود لأجل الدين.. وأنه وأنه.
لن يستطيع الشيطان أن يقنعك بالكذب والظلم والنكث والانتهازية إلا بالدين؛ أي أن تكذب لله؛ وتظلم لله؛ وتتكبر لله.. يقنعك أن الله يحتاج إلى مجرمين! وهذه لن يمهلها الشيطان؛ بل سيعاجل بوضع الأسلاف مبكراً، أي من ايام النبي؛ سيجعل له فئات كثيرة سماعون للكذب على الله ورسوله؛ ويحاول جعلهم ناطقين رسميين باسم الدين.
أنت لو كنت مكانه لن تتأخر لتضل الناس بعد قرون؛ سيكون الإسلام قد رسخ؛ كلا؛ ستبادر قبل الرسوخ لجعل دينك هو الراسخ؛ وتجعل له قادة؛ لأنك بهذا تستطيع أن تضرب كل من حاول معرفة الإسلام الأول بأنه ضد هؤلاء القادة وضد الناطقين الرسميين باسم الدين؛ وبالتالي ضد الدين؛ هو ليس غبياً؛ وهكذا فعل مع الأديان السابقة؛ انقلب عليها مبكراً، وبقسم من أتباعها، هكذا انقلب على موسى بالساجدين لله -لآية العصا - أمام فرعون.
الشيطان جريء!
وهكذا أراد الإنقلاب على ديننا بمن نقضوا العهود وتآمروا على النبي ودينه؛ فبرأهم وجيّر الآيات فيهم إلى آخرين؛ بل وصلت به الجرأة لاتهام الله نفسه؛ وإلى اليوم؛ قسم كبير من المسلمين يرون رأي الشيطان؛ فالله الذي نقض العهود؛ وهو الذي يأمر بالعداوة والبغضاء؛ وهو الذي يريد حماية دينه بمعاصيه!
نواصل تدبر الآيات [12/ 13]؛ وفيهما الدلائل الواضحة على المعنى المغيب، أي أن قريش وحلفاءها هم الناقضون للعهود، المستهدفون بسورة براءة الله.
الآيتان: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13)} [التوبة]
أعيدوا قراءة الآيتين؛ وسترون أن التاريخ قد أخفى تخطيط هؤلاء لإخراج النبي من المدينة كما أخرجوه أول مرة من مكة!! أنه تاريخ ينقله القرآن فقط! فقوله (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم ..)؛ أي إن نكثوا مرة أخرى بعد عهدهم الثاني، المتمثل في التوبة من هذه المخططات الشيطانية، وإقامة شعائر الإسلام، أي لو حصل منهم هذا بعد إظهارهم التوبة وإذنهم بالصلاة في ديارهم وتأديتهم للزكاة، والعهد هنا يفسر العهد الأول، بأنه إظهار الإسلام والالتزام بشعائره، وانه ليس عهد الحديبية، فهذا كان قد سبق نقضه قبل ثلاث سنوات من نزول الآيات. وأما قوله (وطعنوا في دينكم) فلم يرد موضوع (الطعن في الدين) في القرآن الكريم إلا في موضعين، هذا أحدهما، والثاني في حق أهل الكتاب حلفاء قريش، وكأن الكفار تعلموا منهم؛ أما قوله (فقاتلوا أئمة الكفر)؛ فهذا يعني أن أئمة الكفر هؤلاء معلومون جداً للمؤمنين؛ ولأنهم كانوا معلومين، فلم تستطع الثقافة السلطانية إخفاءهم؛ نعم؛ قد يشوشون عليهم بدمجهم مع رؤوس الكفر المقتولين يوم بدر؛ كأبي جهل وعتبة بن ربيعة (الذين ماتوا قبل نزول التوبة بسبع سنوات)؛ إلا أنهم ذكروا في رؤوس الكفر أبا سفيان صريحاً، كما جاء في أكثر الروايات التي تدور في فلك تفسير هذه الآية، ومنها:
تفسير الطبري - (ج 14 / ص 155) حدثنا ابن وكيع وابن بشار حدثنا محمد بن جعفر (غندر) عن شعبة، عن أبي بشر عن مجاهد:(فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم)، قال: أبو سفيان منهم! ، وفي تفسير الطبري - (ج 14 / ص 155) حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وإن نكثوا أيمانهم)، إلى (ينتهون)، هؤلاء قريش! - هكذا صريحاً؛ مع أنهم أيام تبوك كسلمون في الظاهر-
يقول: إن نكثوا عهدهم الذي عاهدوا على الإسلام، وطعنوا فيه، فقاتلهم.
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (فقاتلوا أئمة الكفر)، يعني رؤوسَ المشركين، أهلَ مكة!
مازلنا نواصل روايات الطبري: (حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (فقاتلوا أئمة الكفر) قال: ، أبو سفيان بن حرب، وأمية بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وسهيل بن عمرو، وهم الذين نكثوا عهد الله، وهمُّوا بإخراج الرسول ، وليس والله كما تأوَّله أهل الشبهات والبدع والفِرَى على الله وعلى كتابه اهـ
انتهى قول قتادة؛ وقد خلط أبا سفيان - كما ترون - لغرض معلوم، وهو أنه يوهمنا بأن هذا قديم قبل بدر وقبل إسلام أبي سفيان! مع أن سورة التوبة كانت عام 9؛ بعد تظاهره وقريش الإسلام؛ وقتادة كان من علماء السلطان. ثم لا أدري ماذا يقصد قتادة بعبارته الأخيرة! هل كان هناك رأي واسع يومها باتهام من هو أكبر في عيونهم من أبي سفيان؟ هل وصل حلف أبي سفيان لبعضهم؟
وفي الدر المنثور للسيوطي (وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {أئمة الكفر} قال: أبو سفيان بن حرب، وأمية بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وأبو جهل، وسهيل بن عمرو، وهم الذين نكثوا عهد الله تعالى وهمّوا باخراج الرسول من مكة).
انظروا المكر!!
كأن قتادة لا يعلم أن الإخراج المذكور في سورة التوبة كان بعد موت أبي جهل ونحوه؛ وأنه إخراج ثانٍ من المدينة أراده أبو سفيان وحلفائه بعد إسلامه.
وفي الدر المنثور أيضاً: وأخرج ابن عساكر عن مالك بن أنس مثله؛ وأخرج ابن عساكر عن مجاهد في قوله {فقاتلوا أئمة الكفر} قال : أبو سفيان !
وفيه: وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس {فقاتلوا أئمة الكفر} قال: رؤوس قريش!
قلت (رؤوس قريش) يوم نزول السورة متظاهرون بالإسلام! فالبراءة من قريش!
وفي الدر المنثور: وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر في قوله: {فقاتلوا أئمة الكفر} قال: (أبو سفيان بن حرب منهم ) اهـ !
وفيه أيضاً: وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن حذيفة أنهم ذكروا عنده هذه الآية فقال: (ما قوتل أهل هذه الآية بعد)! وهذا النص عن حذيفة خطير جداً؛ وله دلائل؛ كأن قسماً كبيراً من المسلمين رفضوا طاعة رسول الله في قتالهم، كما رفضوا القتال مع علي بعد رفع المصاحف! والآية نفسها تشهد لحذيفة بأن هناك تلكؤاً وعصياناً؛ ولذلك قال الله {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ}؟؟؟
استفهام استنكاري!
وهذا ما سنناقشه لاحقاً بعنوان: (هل استجاب المسلمون لقتال قريش وحلفائها؟ أم مات رسول الله قبل أن ينفذ الأمر القرآني كما قال حذيفة؟)؛ محل بحث! فقول حذيفة (ما قوتل أهل هذه الآية بعد) يحتمل أمرين: الأول: أن المسلمين تقاعسوا عن ذلك، كما تقاعسوا عن كتابة الكتاب يوم الرزية وعن جيش أسامة؛ الثاني: أن تكون قريش وحلفاءها قد  أظهروا التوبة وأصابهم الخزي، وتخلوا عن المشروع، لكنهم أصبحوا في الصفوف الخلفية وتقربوا من السلطات الجديدة.
وفي الدر المنثور: وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن مردويه عن زيد بن وهب في قوله {فقاتلوا أئمة الكفر} قال: كنا عند حذيفة فقال: ما بقي من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة ولا من المنافقين إلا أربعة؛ فقال أعرابي: إنكم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم تخبروننا بأمور لا ندري ما هي؛ فما بال هؤلاء الذين يبقرون بيوتنا ويسرقون أعلاقنا؟ قال : أولئك الفساق، أجل لم يبق منهم إلا أربعة، أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد لما وجد برده)اهـ
قلت: هذا هو أبوسفيان لا محالة، والحديث قاله حذيفة أيام عثمان، وكان عمر أبي سفيان فوق الثمانين يومها.
أئمة الكفر في الآية كانوا معلومين لحذيفة وأمثاله من خاصة الصحابة، وإذا لم يعرفهم خاصة الصحابة فمن يدعي معرفتهم؟؟
وفي الدر المنثور: وأخرج أبو الشيخ عن حذيفة {لا أيمان لهم}؛قال: لا عهود لهم! اهـ
فالقصة عهود نقضوها وليس كفراً يدعونه؛ الأمر أظنه واضح جداً، لولا السلطات والثقافة الأموية لاتضح للجميع.
وفي الدر المنثور أيضاً - وهو جامع كتب التفسير بالمأثور قال:ؤوأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عمَّار {لا أيمان لهم} لا عهود لهم اهـ
قلت: أبو سفيان وكفار قريش من أنقض الناس للعهد، كل تاريخهم هكذا؛ من العهد المكي إلى آخر أيامهم؛ وأضاف: وأخرج ابن مردويه عن علي ابن أبي طالب قال: والله ما قوتل أهل هذه الآية منذ أنزلت {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم . . .الآية}..
انظروا تحسر صفوة الصحابة كعلي وحذيفة! ألا يدل هذا على عصيان مدني بامتناع كثير - أو أكثر - الصحابة؟ لماذا نجد عند الصفوة - كعلي وحذيفة وعمار - حسرة أن هؤلاء لم يُقاتلوا؟ الأمر فيه سر! والعتاب القرآني للمسلمين في ترك مقاتلة هؤلاء؛ هو حاضنة قرآنية لقول علي وحذيفة، وستأتي الآيات تؤكد هذا المعنى؛ فالآيات تشير إلى خذلان وعصيان! وإذا صح أن الصحابة خذلوا النبي صلوات الله وسلامه عليه وآله في تنفيذ الأمر القرآني بمقاتلة هؤلاء؛ وأنهم لا عهد لهم، فهذا يعني أن الحلف اكتمل! وهذا يعني أن الحلف هو من صنع إسلامنا وأبطل كل بركاته، وعلينا أن نستعيده منهم بقوة الله وبجهادهم بالقرآن (وجاهدهم به جهاداً كبيراً). وإذا لم يصل الأمر إلى هذا الحد؛ وأن قريشاً وحلفاءهم - من اليهود والأعراب ..الخ - قد تابوا وصلحوا؛  فلماذا إذاً لم تظهر بركات الإسلام إلى اليوم؟ سؤال كبير، يجب على المجددين الالتفات إليه؛ أما المقلدون؛ فهم إحدى افرازات الحلف الأثيم، فلا تعولوا عليهم، فقد قرروا أن الله ورسوله هما من نقض؛ وأن هذا النقض شرعي، وأن الانتهازية دين، وأن استعباد الشعوب واجب؛ بهذه الآيات التي أنزلوها في غير ما نزلت فيه، ولعل حماسهم في تطبيقها على الأبرياء إنما هو لمزيد من التغطية على من نزلت فيهم؛ والمكر الكبار يفعل هذا وأكثر؛ {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ}!!
والسؤال: هل تضليلنا أسهل أم إزالة جبال الهملايا؟؟ فكروا فيها ....!
نواصل؛ وستجدون نحو هذا التفسير من تحسر صالحي الصحابة - كعلي وحذيفة - على عدم مقاتلة هؤلاء يفتح لنا أبواباً من الكشوفات الخطيرة؛ ونحو هذا؛ ومن حجة الله أن هذا تجدونه في كتب مفسري السلطات، ينقلونه ولا يفهمونه، فهو في  فتح القدير للشوكاني - (ج 3 / ص 228) وكأنه نقله من السيوطي وفي تفسير الرازي - (ج 7 / ص 469): ((اعلم أنه تعالى ذكر ثلاثة أسباب كل واحد منها يوجب مقاتلتهم لو انفرد، فكيف بها حال الاجتماع : أحدها: نكثهم العهد، وكل المفسرين حمله على نقض العهد. قال ابن عباس والسدي والكلبي: نزلت في كفار مكة نكثوا أيمانهم بعد عهد الحديبية(!!) وأعانوا بني بكر على خزاعة؛ وهذه الآية تدل على أن قتال الناكثين أولى من قتال غيرهم من الكفار ليكون ذلك زجراً لغيرهم اهـ؛ قلت: الآية نزلت في أهل مكة نعم، ولكن ليس قبل الفتح، وإنما بعد فتح مكة أيام تبوك، وهذه من التحريفات الموروثة من العهد الأموي؛ وقع فيها الكبير والصغير!
ثم يقول: وثانيها: قوله: { وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرسول}؛ فإن هذا من أوكد ما يجب القتال لأجله. واختلفوا فيه؛ فقال بعضهم: المراد إخراجه من مكة حين هاجر!! وقال بعضهم: بل المراد من المدينة لما أقدموا عليه من المشورة والاجتماع على قصده بالقتل. اهـ
قلت: وهذا هو الصواب قطعاً، وتدعمه الشواهد والقرائن، ولو لم يكن من جعائم هذا القول إلا نزول براءة بعد فتح مكة بسنة لكفى، لكن أثر السلطة وما أنتجته من (الرأي العام) قوي جداً.
ثم قال الراوي: (وقال آخرون : بل هموا بإخراجه من حيث أقدموا على ما يدعوه إلى الخروج؛ وهو نقض العهد، وإعانة أعدائه، فأضيف الإخراج إليهم توسعاً لما وقع منهم من الأمور الداعية إليه. اهـ
قلت: احتمال ضعيف، بسبب سلطة الراي العام، اقرءوا الآية كما هي مع مراعاة وقت نزولها وفي من كانت يضيف الرازي:  وقوله: {وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرسول} إما بالفعل وإما بالعزم عليه، وإن لم يوجد ذلك الفعل بتمامه؛ وثالثها : قوله : {وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } يعني بالقتال يوم بدر، لأنهم حين سلم العير قالوا: لا ننصرف حتى نستأصل محمداً ومن معه. اهـ!!
قلت: وهذا واضح أنها في قريش، لكن عدم الجزم بها ومن عقول كبيرة كالرازي يدل على قوة سلطة الرأي العام، فقول ألاية (أول مرة) يدل على قريش لا غيرها؛ كأن المعنى في المرة الأولى كلها من بدر إلى فتح مكة.
ثم قال الرازي: (والقول الثاني : أراد أنهم قاتلوا حلفاء خزاعة فبدؤا بنقض العهد!!! وهذا قول الأكثرين، وإنما قال: {بدءؤكم} تنبيهاً على أن البادىء أظلم ..الخ.  اهـ
قلت: سبق الجواب، فالتوبة نزلت بعد هذا كله، في حلف جديد!
وفي تفسير الرازي - (ج 7 / ص 470) نقل عن ابن عباس أنه قال: قوله تعالى: {أَلاَ تقاتلون قَوْماً} ترغيب في فتح مكة اهـ!!
قلت: إن كان القصد؛  إعادة فتحها مرة أخرى وتطهير المسجد الحرام من قريش الناقضة للعهود فصحيح؛ وإن كان المراد أنه ترغيب في فتح مكة قبل عام الفتح فهذا التفاف وتحريف! وأنا أبريء ابن عباس من القول الأخير، لكن الرواة عنه قد يروون بالمعنى الذي يتفق مع الرأي العام الذي شكلته ثقافة النفاق والحلف العريض.
ثم يقول الرازي: وقوله: {قَوْماً نَّكَثُواْ أيمانهم} أي عهدهم ، يعني قريشاً حين أعانوا بني الديل بن بكر على خزاعة حلفاء الرسول (!)
تحريف!
نعم؛ هم قريش؛ ولكن ليس قبل فتح مكة؛ وإنما بعد تبوك؛ وهكذا ستجدون الثقافة النفاقية تفرض نفسها على العامة بالتكرار  الممل؛ مع إهمال زمن نزول السورة؛ ولعل من المفسرين المعاصرين الذين لهم سمعة طيبة قد قارب المسألة أكثر من المفسرين السابقين، وهو الطاهر بن عاشور؛  ففي تفسيره التحرير والتنوير (ج 6 / ص 235) قال - ولله دره -: (أمّا همّهم بإخراج الرسول فظاهره أنّه همٌّ حصل مع نكث أيمانهم وأن المراد إخراج الرسول من المدينة أي نفيه عنها لأن إخراجه من مكّة أمر قد مضى منذ سنين، ولأنّ إلجاءه إلى القتال لا يعرف إطلاق الإخراج عليه فالظاهر أنّ همّهم هذا أضمروه في أنفسهم وعلمه الله تعالى ونبّه المسلمين إليه، وهو أنّهم لمّا نكثوا العهد طمعوا في إعادة القتال وتوهّموا أنفسهم منصورين وأنّهم إن انتصروا أخرجوا الرسول عليه الصلاة والسلام من المدينة ) اهـ
وهذا التفسير هو الصحيح؛ وهو ما تدل عليه السورة زمناً ووصفاً وقرائن حافة؛ ولكن لأنه لم لم يتم على أرض الواقع فقد أهمله التاريخ الخاضع لتلك السلطات (سلطات الحلف العريض) أو حلفائهم الذين كانوا يعظمونهم وولوهم الأعمال ووثقوا فيهم..
ثم يقول ابن عاشور - بعد أن استعرض الأقوال واستشكلها -  التحرير والتنوير - (ج 6 / ص 236)-  فالوجه عندي : أنّ المعنيَّ بالذين هَمّوا بإخراج الرسول قبائل كانوا معاهدين للمسلمين، فنكثوا العهد سنة ثمان، يوم فتح مكة، وهمّوا بنجدة أهل مكة يوم الفتح، والغدر بالنَّبي عليه الصلاة والسلام والمسلمين، وأن يأتوهم وهم غارون ، فيكونوا هم وقريش ألباً واحداً على المسلمين، فيُخرجون الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين من مكة، ولكنّ الله صرفهم عن ذلك بعد أن همّوا، وفضح دخيلتهم للنبيء صلى الله عليه وسلم وأمره بقتالهم ونبذِ عهدهم في سنة تسع).
قلت: الحلف بدأ من يوم فتح مكة نعم؛ فالطلقاء استسلموا ولم يسلموا - كما قال علي وعمار - لكن لما تجعت أحلافم وتوسعت أرادوا بعد سنة فقط الانقضاض على النبوة.
ثم قال ((ولا ندري أقاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية أم كان إعلان الأمر بقتالهم - وهم يعلمون أنهم المراد بهذا الأمر- سبباً في إسلامهم وتوبة الله عليهم تحقيقاً للرجاء الذي في قوله: {لعلهم ينتهون} [ التوبة : 12 ]؛ ولعل بعض هؤلاء كانوا قد أعلنوا الحرب على المسلمين يوم الفتح ناكثين العهد ، وأمدّوا قريشاً بالعدد، فلمّا لم تنشب حرب بين المسلمين والمشركين يومئذٍ أيسوا من نصرتهم فرجعوا إلى ديارهم ، وأغضى النبي صلى الله عليه وسلم عنهم، فلم يؤاخذهم بغدْرهم، وبقي على مراعاة ذلك العهد، فاستمرّ إلى وقت نزول هذه الآية، وذلك قوله: {وهم بدوءكم أول مرة}؛ أي كانوا البادئين بالنكث، وذلك أنّ قريشاً انتصروا لأحلافهم من كنانة، فقاتلوا خزاعة أحلاف المسلمين) اهـ
قلت: كلام ابن عاشور الأول هو الصحيح؛ أما اضطرابه في الكلام الأخير فهو محاولة منه للجميع بين صراحة الآيات والرأي العام الذي تستر على قريش وحلفائها؛ وسؤاله (هل حاربهم النبي أم لا؟) هو أفضل ما في هذا الكلام الأخير؛ قد يكون في الأمر عصيان مكتوم؛ وتشير الآيات إلى ذلك (ألا تقاتلون قوماً ..)! ثم قال: التحرير والتنوير - (ج 6 / ص 237)  (وعلى كلّ فالمقصود من إخراج الرسول عليه الصلاة والسلام: إمّا إخراجه من مكة منهزماً بعدَ أن دخلها ظافراً، وإمّا إخراجه من المدينة بعد أن رجع إليها عقب الفتح ، بأن يكونوا قد همّوا بغزو المدينة وإخراج الرسول والمسلمين منها وتشتيت جامعة الإسلام) اهـ.
قلت: وهذا الأخير هو الصحيح؛ ويكاد يكون منطوق الآيات نفسها؛ فعدم رواية ذلك لا تهم، فقد نطقت بها الآيات؛ ومن أصدق من الله؟
إلى هنا  نتوقف، حتى لا نطيل أكثر. وفي الأجزاء القادمة ستتبين الأمور أكثر فأكثر؛ وأسفي أن المجددين لا يركزون على هذه البدايات ولا يدرسونها.


يتبع..
لمطالعة "آية الجزية ... والمعنى الذي غاب عن التنويريين والمقلدين معاً! - ألجزء العاشر -" على هذا اللرابط «««

مواضيع أخرى:

لمطالعة "ما كتبه الرومان عن تاريخ العرب والمسلمين... هل هم أصدق أم نحن؟!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "بداية الانحراف عن الإسلام الأول - متى كان؟! {ألجزء الأوّل}" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "في ذكرى المولد النبوي: - معلومات مجهولة -" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "عالمية القرآن - الجزء الاول" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "المسلمون يضيعون غايات الإسلام!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "مأساة الباحث الصادق مع أعداء النبي!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "بداية الانحراف عن الإسلام الأول - متى كان؟! {ألجزء الأوّل}"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "سر حذيفة بن اليمان - الجزء الأوّل" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "الزيف كان كبيراً في المسلسل الأخير( الحسن والحسين )" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "لن يصلح هذه الأُمة ما أفسد أولها !"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "معنى الروافض." على هذا اللرابط «««
لمطالعة "سن عائشة بين المحققين والمقلدين!"على هذا اللرابط «««

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1697
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 04 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29