• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : مقالات وكتابات .
                    • الموضوع : تلك الفئة المثالية.. لتدمير التواصل الإنساني (3) .

تلك الفئة المثالية.. لتدمير التواصل الإنساني (3)

جريدة الكويتية
الشيخ حسن فرحان المالكي
تيارات الغلو المذهبي عامة، (ولا يصح نسبته إلى الدين) ومنه (الغلو السلفي) الذي لا نستهدفه منفرداً عن تيارات الغلو الأخرى، فالغلو مذموم مطلقاًَ ومن أي مذهب أو تيار، والغلو مراتب أعلاه التفريط في حقوق الآخرين، من استحلال دماء الأبرياء- وهو أعظم الغلو- ثم الأحكام المذهبية الجائرة، من التكفير للمسلم أو الأمر ببغضه وهجره أو الكيد له والكذب عليه..الخ وينتهي بالغلو العملي في التشدد الخاص الفردي في ممارسة بعض الأحكام التفصيلية.

وإنما نحن نستهدف (الغلو) داخل التيار السلفي لأننا خبرناه عن قرب تراثاً وأشخاصاً- بل كنا يوماً من الأيام جزءاً منه- ولا سيما أن فيه هذه الأنواع المتطرفة من الغلو، الذي وصل لاستحلال دماء المسلمين بكل برودة أعصاب، فهذه شهادة لله يجب أن تقال دون تبرئة لأي مذهب آخر وُجد فيه هذا الغلو، أو ما دونه من مراتب، ولا يجوز أن يخشى من أن يتهمه أحد بالمحاباة للمسكوت عنهم، مثلما لو يقوم مسلم بنقد تخلف المسلمين وجهلهم وعداواتهم فلا يلزمه أن يقوم بنقد اليهود والنصارى بأنهم متخلفون أيضاً وجهلة، حتى لو عرف أن بعض ذلك صحيح.

ثم كلام الباحث عما يعلم ويحيط به إحاطة معرفية أفضل من كلامه فيما يعرفه معرفة جزئية أو ناقصة، فالمعرفة الناقصة المشوهة المشهورة أضر على الحقيقة من الجهل الخالص وأصعب في الزوال، فكلما تكلم الناس أو اعتقدوا بالمعارف المجتزأة والناقصة والمشوهة يكون ضررها أكبر من الجهل البسيط، لأنها تحارب المعرفة الكاملة وتحاول إخضاعها وإخضاع حامليها، وتدعي أنها منتسبة إلى الله فتضيف إلى الله (معرفة ناقصة مجتزأة مشوهة) فتكذب بهذا المزيج على الله، والكذب على الله أعظم الذنوب مطلقاً (ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً)؟!
وأفضل طريقة ليدرك المسلم تخلف المسلمين هو الحوار بين المسلمين أنفسهم وليس الحوار بين المسلمين واليهود مثلاً، لأنه لو قام حوار بين مسلم ويهودي في تخلف المسلمين واليهود، فإن جمهور المسلمين تلقائياً سيكون شعورهم ذلك الشعور الجاهلي في الدفاع عن القبيلة وهجاء القبيلة الأخرى، ولن يستفيدوا من كلام اليهودي ولو كان الاستماع إليه مفيداً لهم في تقويم الخلل الذي يصدق في إيقافهم عليه.

كما أن أفضل طريقة لتهذيب غلو المذاهب هو حوار أبناء المذهب مع أنفسهم، وليس الحوار بين مذهب وآخر، لأن الشعور الجاهلي سيحضر مجدداً في التمترس خلف القبيلة بحقها وباطلها وهجاء القبيلة الأخرى مطلقاً.
إذن فالحوار الداخلي بين أتباع المذهب الواحد سيكون أكثر فاعلية في تهذيب الغلو وتقليمه ومحاكمته بالمصادر المتفق عليها بين المسلمين كالكتاب والسنة مثلاً وهما أشهر معيارين متفق عليهما بين المسلمين كافة.
كما أن أعلى هذين المعيارين هو الآيات الصريحة الدلالة لا المشتبهة، ثم الأحاديث المتفق على صحتها بين المتحاورين لا المختلف في صحتها، فالمعيار المتفق عليه ثبوتاً ودلالة أقوى وأنجع من المعيار المختلف في ثبوته أو دلالته.
والغلاة غالباً لا يحبون ترتيب هذه المعايير، وإنما يعتمدون الخلط، فيوردون قولاً لله بجانب قول لفلان وبينهما حديث مختلف فيه، وبعد هذا استنتاج أحمق وفهم سقيم واستعداء لئيم.

هذه هي الخلطة السرية للغلو، التي يجب أن يتنبه إليها المتحاورون معهم، ويلزموهم بالتدرج من النص القرآني الصريح الدلالة إلى النص البياني (أو الحديثي) المتواتر الصريح الدلالة أيضاً، هنا سيجد الغلو نفسه (مغرداً) خارج النصوص كلها، وخارج الموضوع وخارج العقل والشهادة لله والإنصاف والحيادية..الخ.

إذن فالغلو يحتاج إلى من يفهمه من الداخل ليبطل مفاعيله المدمرة على الإنسان والمعرفة والمجتمع والحقيقة والمبادئ التي يتشدق بها ليل نهار.. أما إن حاوره من لا يفهمه، فسيزيد من نشوة الغلو واستكباره فتتوسع رقعته في عقول العامة المساكين من الأطفال والعجائز والغرباء.

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=274
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 01 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 04 / 19