• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : مقالات وكتابات .
                    • الموضوع : من ذمتي لذمتكم .. الزكاة القرآنية غير الزكاة المذهبية والسلطانية .

من ذمتي لذمتكم .. الزكاة القرآنية غير الزكاة المذهبية والسلطانية

المقالات اسبوعيه - جريدة الكويتية

مواضيع أخرى:



أيها التجار.. من ذمتي لذمتكم.. (1)! - المقالات اسبوعيه - جريدة الكويتية
من ذمة (أبي ذر) لذمتكم.. (الكنز) من كبائر الذنوب!
موبقات منسية!

للناس عامة ولأرباب الأموال خاصة، زادهم الله من فضله، سأخاطبكم ببساطة متناهية، لا تصدقوا هذا الفقه المذهبي، وعودوا للقرآن الكريم لتعلموا (الواجب المالي كاملاً) ولتفرقوا بين (الزكاة بالمعنى القرآني) والزكاة بالمعنى الشعبي الذي هو من آثار عمل السلطة في تقزيم معنى الزكاة.

فالسلطة أفسدت المعنى القرآني للزكاة الذي هو أشمل بكثير من اختصاره في نسبة ربع العشر، أي أن الأدلة القرآنية قائمة على أن الزكاة بالمفهوم القرآني واجبة على الجميع، الغني والفقير، وعلى الغني زيادة زكاة في الماديات، فالزكاة بالمفهوم القرآني تعني تطهير النفس من مساوئ الأخلاق وتزويدها بمحاسن الأخلاق، كما قال تعالى: ( قد أفلح من زكاها)، ولاريب أن من تزكية النفس، تزكيتها لشاملة، معنوياً ومادياً، ثم من التزكية المادية إنفاقها مما أعطاها الله من المعاني المادية كالمال لطرد البخل والشح وكنز المال ..إلخ، وكذلك تطهيرها من المعاني المعنوية كتطهيرها من الكبر والحسد والكراهية ..إلخ.

ويتحدر من ذلك المعنى القرآني الشامل شق مادي، وهو الصدقات الواجبة (وهي أوسع مما يقوله الفقهاء عن تلك النسبة 2،50 %)، إذن لا تساعدوا سلطات التاريخ على تقزيم الواجبات القرآنية، فالسلاطين كانوا تجاراً في الجملة، ولأن تقزيم أوامر الله كان كبيراً جداً كما ترون، وسنستعرض لاحقاً آيات الزكاة في القرآن لنعرف ذلك المعنى الإلهي الذي غيَّبَهُ الإسلام البشري استجابة لواقع السلطات والأثرياء والوجهاء والأعيان عبر التاريخ.

والسلطات عبر التاريخ لأنها جاهلة فهي لا تفهم إلا الجاهل ولا تفهم العالم والفقيه والعاقل، فتجعل من الخطيب المفوه عالماً، ومن رافع الصوت حريصاً، ومن الباكي الأحمق خاشعاً، ومن الزاهد في المال ورعاً، وإن كان متجرئاً في استباحة الدماء وتحطيم سماحة الإسلام.

فالجهلة يفهمون بعضهم كفهم الأطفال لبعضهم، هذا إن أحسنا الظن، أما إذا أسأنا الظن، فنقول إن السلطات والفقهاء عبر التاريخ يشرعن لبعض، فالسلطات تعطي من تظن أنه يخدمها لقب (العالم والفقيه) والفقيه يعطي للسلطات الشرعية والدعاء، وكلاهما يتوجس من العالم الناصح الشفيق العاقل، لأنهم يجهلون علومهم (والناس أعداء ما جهلوا ومن جهلوا)، فيعدون كل من يخالفهم في الفقه والعلم شاذاً وخارجاً عن الفهم السطحي العام ومن شذ شذ في النار!
هي حبكة شيطانية قديمة يزين لهؤلاء وهؤلاء الوقوف صفاً واحداً ضد كل معلومة تخرب عليهم معبد الكرسي وكرسي المعبد، ويقنعهم أنهم في جهاد عظيم عندما يجتمعون ضد هذا الذي يأتي بشيء لم يجدوا عليه الآباء والأجداد! حتى ولو كان هذا صريحاً في كتاب الله، لأنه يستحيل عندهم أن يفوت هذا المعنى الصريح الواضح آباؤهم وأجدادهم الذين يتوهمون أنهم بلغوا مبلغاً عظيماً!

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) [البقرة/170].

ومع أن القرآن الكريم كان صريحاً في إطلاقه تسمية (الصدقات) على ما تسميه السلطة وفقهاؤها (زكاة)، كما في قوله تعالى
(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة/60 ]
فإن الله يسميها هنا (صدقات)، والسلطة جعلت (الصدقات) في هذه الآية هي (الزكاة) نفسها! لأنها تضغط كل الألفاظ في لفظ واحد، فلا وقت عندها للتفريق بين الألفاظ القرآنية.

والخلاصة هنا أن الصدقات هي ما تأخذه الدولة من الناس (أي الزكاة بالمفهوم الشعبي العام)، كما في قوله تعالى
(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة/103، 104].
قال خذ صدقة ولم يقل (خذ زكاة)، لأن الزكاة موضوع كبير لا يؤخذ قسراً وإنما يجب القسم الأكبر منه يؤديه العبد طواعية ليزكي نفسه، وليس موضوعها مالياً فقط، والواجب المالي في الزكاة أكثر من الواجب المالي في الصدقات، فالواجب المالي في الصدقات هي ما تأخذه الدولة قسراً (2،50 %)، وأما الواجب المالي في الزكاة فيشمل الصدقات وعدم الكنز وإنفاق ما فضل عن الحاجة وصدقة التطوع ..إلخ، إضافة للشق المعنوي من تطهير النفس جملة من رذائل الأخلاق ومساوئها.

ولا عجب أن ينسى الناس معنى الزكاة وشمولها، فقد كاد الناس أن ينسوا الصلاة في وقت مبكر (في عهد عثمان) فلا غرابة أن يجهلوا الزكاة، بل الدواعي لتغيير المفهوم القرآني عن الزكاة أكثر من الدواعي في تغيير الصلاة..
وقد يسارع بعض الناس إلى القول ولكن في الحديث الفلاني كذا وفي الحديث الفلاني كذا..

نقول: وهل صرفنا عن تدبر القرآن الكريم إلا الحديث الفلاني والحديث الفلاني؟
وهل كان الحديث إلا أحد أدوات السلطة في تغييب مفاهيم القرآن الكريم إلا القليل مما يسير في ضوء القرآن ولا يعارضه؟
كأن هؤلاء لا يعلمون أن تدوين الحديث كان الهدف منه مزاحمة القرآن الكريم والتشويش عليه؟
كأنهم يجهلون أن من مصلحة السلاطين وأهل المصالح إبعاد معنى الزكاة القرآني عن الناس، وحصر كل آيات الإنفاق في الصدقات؟ وحصر كل آيات الزكاة في الصدقات نفسها؟ وحصر آيات الزكاة في المال، وكذا آيات الإنفاق.. أوهام بعضها يرقق بعضاً..
لذلك لا بد من معرفة الواجب في الأموال من القرآن الكريم، والواجب في الجاه والمنصب وسائر النعم والأرزاق.. وقبول ما يتفق مع القرآن من قليل الحديث.

ولأن هذا الموضوع جزء من تبصير الناس بالإسلام الأول (الذي حل محله الإسلام البشري) فهو يحتاج لبسط في الأدلة القرآنية في الحلقة القادمة.


  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=139
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 11 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29