• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : مقالات وكتابات .
                    • الموضوع : خدعات الانتخابات! .

خدعات الانتخابات!


مع أن مساوئ الانتخابات في العالم الغربي كثيرة مثل التحزب والمصالح والكذب المصاحب لحملات الانتخابات، إلا أن مصالح الانتخابات أكثر من عدم وجودها في الجملة، وقد حققت لهم مزيداً من الحقوق والحرية والعدالة والمساواة ونسبة جيدة من القيم العليا.
ولكن الانتخابات في الدول العربية والإسلامية غريبة جداً، وعيوبها أكثر من الانتخابات الغربية والشرقية، ليس فقط فيما يتعلق بحضور (الشكل) الديمقراطي قبل ( المضمون والمحتوى) فحسب، وإنما في أمور أخرى أكثر خفاءً وضرراً.

فإنه عند كل انتخابات عربية يتقدم الناخبون ببرامجهم، بعضهم تهمه التنمية وشؤون الناس والتعليم والمعرفة ولا يفرق بين مواطن وآخر.. الخ، وهؤلاء قد يكونون قلة للأسف مع ارتفاع منسوب المذهبية والعنصرية والفئوية بكافة أشكالها المتخلفة.

والبعض الآخر- ولعلهم كثرة في الوطن العربي- ممن يتشدقون بكل النظريات السابقة التي يرددها الجادون، لكن في واقع الأمر أكثر هذه الفئة في الغالب لا يهمها جاع الناس أم شبعوا، صحّوا أم مرضوا، تعلموا أم جهلوا، إنما يهمهم تلك الأيديولوجيا التي يعتقدونها والحزب الذي ينتمون إليه والمذهب الذي يعبدونه- مجازاً طبعاً.
النظرية واحدة، فالفريقان يقولان: همنا الناس والتنمية والتطور والمعرفة والحقوق والمساواة.. الخ، ولكن هل يستطيع الناخب التمييز بين الصادق والمخادع قبل الانتخابات؟
معظم العقلاء والمحايدين لا يستطيعون التفريق ولا يكتشفون الفرق قبل أن يصل الفريقان (الإنساني والأيديولوجي) لمراكز القرار، وبعد الوصول والممارسة العملية يبدأ قليل من العقلاء والمنصفون يكتشفون ويفرقون بين الذي كان يخادعهم ويزعم أن همه الإنسان، والآخر الذي كان صادقاً في الرفع من شأن هذا الإنسان، تنمية ومعرفة وصحة.

والسؤال:
لماذا لا يكون الناخبون أذكياء ويحاكمون المرشحين للانتخابات قبل الانتخابات، أو يستشرفون مستقبلهم؟
ولماذا تبقى الأكثرية مع المخادع؟
ألا يستطيع الناخب أن يعرف الصادق من الكاذب؟
وهنا تبرز المشكلة العربية الكبرى وهي أن كثيراً من الناخبين يعرفون هذا الخداع، ويحبون هذا النفاق من هذا المرشح! وهم يعرفون أنه لا يهمه تنمية ولا إنسان ولا معرفة وإنما يهمه المذهب أو الحزب أو التيار.. الخ، ومستعدون أن يخدموا التخلف المعرفي والحقوقي ولو بالتنازل عن حقوقهم، فالمخادعة ليست من المترشح على جمهوره الناخب، كما يحصل في الغرب، وإنما الخدعة تتم من الاثنين على الآخرين، من محايدين وطيبين وقانونيين.. بل خدعة في حق القانون نفسه.
وهنا تكون مهمة المنصفين ومراكز الدراسات والقانونيين مضاعفة، ليس في كشف مخادعة المترشح فقط، وإنما في كشف مخادعة جمهوره وتياره وحزبه.. الخ، واكتشاف سر إصرار جمهور المخادع على التصويت له مرة ثانية وثالثة ورابعة، فالمترشح وجمهوره نتيجة ثقافية واحدة، لها أهداف استراتيجية ضيقة- مذهبية.. عرقية.. ..الخ- ولذلك لا يتغير رأي الجمهور لأنه مشارك في الخديعة.

ولذلك لا يجوز أن نتفاجأ عندما يعد مرشح أو حزب من الأحزاب بكذا وكذا... ثم ينقضها جميعاً ويجعلها خلف ظهره ويسعى لتثبيت الحزب في الأرض وإمساكه بأكبر قدر ممكن من مراكز القرار، فهذا الإمساك بمراكز القرار ليس الهدف منه إسعاد ذلك الجمهور (الحزبي أو الفئوي) كلا، وإنما الهدف هو التهيئة لخدعة جديدة يستولون فيها على مزيد من مراكز القرار للإعداد لخدعات أخرى، وهكذا..
والسؤال الثاني والأخير:
كيف يرضى المتمذهبون والفئويون بأن ينقصوا من حقوقهم لصالح المذهب أو الجهل أو الظلم أو التمييز.. وهي كلها ضد (النظرية التي يتشدق بها مرشحهم)؟!

الجواب:
لأن الثقافة المذهبية والفئوية أقنعته بأن هذا هو رضا الله، وهذا واجبه الديني والوطني والعرفي.. الخ.
إذن فالمهمة هنا مضاعفة في تثقيف المجتمع بمعرفة صحيحة.
لأن المعرفة الصحيحة تنتج تلك النظريات الجميلة وتحققها على الأرض (تنمية، حقوق، مساواة، حب، سلام.. الخ) ولو بلا تشدق بها على صهوات المنابر ومطويات المحابر، وأما المعرفة البائسة فلا تنتج إلا بؤساً ولبساً، وضنكاً وكراهية ومكراً وخداعاً وتنازعاً وتصدعاً.
فالأرضية الثقافية كأي أرض زراعية، والنبات على قدر التربة وخصوبتها:
}وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ{. ( الأعراف/58)

وأول التصحيح المعرفي ألا تكون الكثرة هي معيار العدل والصدق والمعرفة، بحيث يكون ظلمها عدلاً وكذبها صدقاً وجهلها علماً، كما أن الأقليات ليست معياراً أيضاً فقد تكثر من الوسوسة والتخوف الزائد، بل المعيار يكمن في حقيقة البرهان والصدق والعدل، ولو كان القائلون بهذا قلة أو أفرادا من الفئات أو من خارج الفئات.
}قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{. (100) (المائدة)

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=144
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 12 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19