• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : مقالات وكتابات .
                    • الموضوع : هل نؤمن بالبعث والنشور؟! .

هل نؤمن بالبعث والنشور؟!

مقالات الكويتية
لإيمان بالبعث في القرآن الكريم لا يعني أن نصدق نظرياً بأنه يكون هناك بعث ونشور وحساب،
فهذا يؤمن به حتى كثير من عبدة الأصنام (ما نعبدهم إلا لقربونا إلى الله زلفى)، (ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً).. فكثير من الآيات تؤكد أن بعض الكفار يؤمنون بالبعث إيماناً نظرياً احتمالياً لا أثر له في السلوك، وإنما معناه في القرآن الكريم استشعار ذلك وأن ينعكس على السلوك.

أقول هذا بعد أن رأيت كثيراً من الكتبة في الشبكة العنكبوتية كأنهم لا يؤمنون بالبعث، أعني فعلهم فعل من لا يؤمن بالبعث أصلاً، ففي كتاباتهم من الكذب والظلم والغش والقذف والافتراء وانتهاز الفرص والأيمان المغلظة والشتم والسب والتحريض على كبار الجرائم.. ما يؤكد أنه لم يستقر في نفوسهم بعث ولا حساب، كأن الله لن يحاسبهم على هذه الجرائم.

قد فوجئنا بكثير من هؤلاء متحمسين في الدفاع عن موضوع معين دينياً، ثم فوجئنا بأنهم من حماستهم غير المنضبطة بالشرع، تجد الواحد منهم قد يقذفك ويقذف الذين خلفوك! ويحلف بالله الذي لا إله إلا هو، أنك عميل للدولة الفلانية، وأنك تتسلم منها الأموال (تذكروا: يحلف بالله العظيم!).. وهكذا.

هذا الشخص كيف كان يفكر بالبعث وهو يقذف ويكذب ويحلف؟! كيف كان يفكر من الداخل؟ أعني هل هو عندما أخذ يقذف أنك ابن كذا، مثلاً، وأن والديك أولاد كذا (وقد يحلف أيضاً).. هل مثل هذا الشخص يؤمن بالبعث إيماناً حقيقياً ينعكس على سلوكه اللفظي والعملي؟ هل يظن أن الله سيبعثه من بعد الموت ويسأله: لماذا تحلف بي على أمر تجهله؟ كيف قذفت عباد الله؟ من أين عرفت أنهم أولاد كذا وكذا؟ كيف استحللتَ الكذب وقد حرمته؟ أتمنى أن أجد واحداً من هؤلاء لأسأله هذه الأسئلة فقط.. لأنظر ماذا يكون جوابه؟ أريد أن أجرب معه بعثاً أصغر وحساباً أصغر، قبل أن يأتي البعث الأكبر والحساب الأكبر، لأني فقط مشتاق لمعرفة إجاباته.

كثير من آيات القرآن تخاطب هؤلاء الذين يؤمنون إيماناً نظرياً ولا ينكس على سلوكهم ويجعلهم القرآن الكريم في الكافرين بالبعث، ونحن لجهلنا نظن أن هؤلاء هم الكفار الأصليون عبدة الأصنام فقط كعادتنا في حشر الكفر والشرك في أبي جهل وأصحابه وحشر النفاق في عبدالله بن أبي وأصحابه.. وهذا تلاعب قديم بكتاب الله أنتج لنا مثل هؤلاء الذين لا يردعهم الحساب ولا الإيمان بالبعث، لأن الإيمان ليس مجرد التصديق التقليدي، وإنما استشعار ذلك عند القول والعمل، وخصوصا في المفتريات الكبرى والآثام الكبرى، كالقتل وقذف الآخرين والكذب عليهم باطمئنان وغبطة باطن.

المجال لا يتسع لذكر الآيات التي تخص المسلمين الذين لا يؤمنون بالبعث إيماناً صادقاً، فهم موجودون في أتباع الأديان من قديم وذكرهم الله وذكر معهم الكفار الأصليين، انظر إلى الفريقين مثلاً في قوله تعالى (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ. بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ. وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ) [النمل/65-67]

فالفريق الأول لا يشعرون أيان يبعثون! وادّارك علمهم في لفظ عام اسمه (الآخرة)! ثم هم في شك منه أيضاً! ثم هم عيمان عنها وكأنها غير موجودة! فهؤلاء فريق غير الفريق الآخر المعطوف بالواو، وهم (الذين كفروا) الذين يجحدون بالبعث بالكلية.

إذن فالكفر بالبعث يصدر من الاثنين الكافر الأصلي والمسلم التقليدي، ولذلك يورد الله لفظ (الإنسان) في آيات أخرى لتشمل الاثنين، مثل قوله تعالى:

(أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ) [القيامة] ولم يقل (الكافر).

وقوله تعالى (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) [القيامة]، ولم يقل (الكافر).

وقوله (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ. أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) [البلد].

هذا هو الإنسان أغلب جنس الإنسان من بني آدم هكذا، وهؤلاء نراهم كل يوم، لا يأبهون بحساب ولا عقاب ولا بعث ولا نشور، ولا يصدهم عن الجرائم والأكاذيب شيء أبداً.. ويظنون أن الله محتاج إليهم بهذا الإيمان اللفظي بأنه سيكون هناك بعث ونشور! وأن هذا يكفي في (إيمانهم باليوم الآخر)!

ينسى هؤلاء أن (الإيمان النظري بالبعث) دون انعكاس على السلوك قد سبقنا إليه إبليس قبل أن يولد الأنبياء والمرسلون في قوله: (قال أنظرني إلى يوم يبعثون)، فهو أول نطق بالإيمان بالبعث، فالإيمان النظري بالبعث لا فضيلة فيه إن لم يقترن بالسلوك، وهؤلاء الكذبة الفجرة القَذَفة والحالفون بالله على الأكاذيب والخيالات المريضة يظنون أنهم بإيمانهم اللفظي قد سدوا هذا الباب العظيم من أبواب الإيمان، وأن الله لن يحاسبهم عليه، ولا يستطيع محاسبتهم، مادام أنهم قد آمنوا بأن هناك ثواباً لهم وعقاباً لخصومهم! جنة لهم ونارا لخصوهم! فهم مغتبطون جداً، ويعيشون مرتاحي الضمير ومطمئنين بما ينشرونه من الأكاذيب والمظالم بأنها جهاد عظيم ضد أهل الضلال وخصوم الدين!



لا حول ولا قوة إلا بالله!



والسؤال: من المسؤول عن هذه الخلطة الجميلة؟! أي مصنع شيطاني أنتج هؤلاء؟

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=57
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 09 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28