• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : مقالات وكتابات .
                    • الموضوع : لن يصلح هذه الأُمة ما أفسد أولها ! .

لن يصلح هذه الأُمة ما أفسد أولها !

مقالات للكويتية


دائمًا نُردد بحماقة : (لن تصلح هذه الأمة إلا بما صلح به أولها)! ومعنى الصلاح عندنا ليس الصلاح عند الله, الصلاح عندنا هو القتال والتوسع واضطهاد الشعوب والعنصرية والتفاخر والعسكرة وهذا هو الذي أفسد أول الأمة!               

أول هذه الأمة كان فاسداً ولم يكن صالحاً كما نظن إلا في قلة نادرة من صالحي الصحابة والتابعين. أول هذه الأمة هجر الكتاب وأحرق السنة وهدم الكعبة وقتل الحسين واستباح المدينة وابطل الحقوق واضطهد الشعوب فأي صلاح نريد من هذا الفساد؟!               

إذًا لن يصلح هذه الأمة ما أفسد أولها وإنما يصلحها ما أهمله أولها من تدبر الكتاب ونصرة المعرفة والعدل مع الناس كافة وتعظيم شعائر الله, الخ...

هذه الأمة يصلحها المعرفة التي أهملها أول الأمة وحفظ الحقوق التي أنتهكوها, وحفظ الدماء التي سفكوها, وحفظ الثروات التي أهدروها, وحفظ العقل الذي عطلوه. وتدبر الكتاب الذي هجروه, والبحث عن السنة والسيرة التي أحرقوها, ومحاربة الكذب الذي نصروه, ونصرة الصدق الذي تركوه.

وهل هجر القرآن وذبح أهل بدر ولعن أهل البيت وقتلهم, وهدم الكعبة مرتين, وانتهك اعراض المسلمات, وحرف مسار الدين إلا سلف هذه الأمة؟! المشكلة أننا عندما نكرر العبارة المتقدة هنا لا يكون من سلف الأمة عندنا لا النبي ولا الصالحون القلة من أمته إنما نقصد الولاة والعساكر! أول الأمة لا نقصد بها النبي وسيرته وهديه وإنما وصولنا للأندلس والصين هذا الإيحاء الشيطاني الذي يوحيه في عقولنا عندما نقول تلك العبارة! والولاة والعساكر هم سبب كل بلاء لحق بالأمة وأفسدها هم الذين صرفونا عن التفكر في المادة وإرساء قوانين العدالة والحقوق وكرامة الإنسان! والوعاظ والفقهاء والمُحدّثون هم من ختم على حرف مسار الدين وسكتوا عن الحق  وتركوا كتاب الله واستجابوا للواقع بالأحاديث  فاكتملت المأساة!       

لو كان أول هذه الأمة صالحاً ما وصل معاوية للسلطة ولا نصروا يزيد على الحسين ولا سكتوا عن لعن علي على المنابر ولا عن ضرب الكعبة بالمنجنيق!   

لو كان أول هذه الأمة صالحاً لعرفنا كيف نعدل وكيف نكتشف المادة وكيف ننظم السلطة وكيف نوزع الثروات وكيف ننصر المستضعفين وكيف نتواضع.

ليس هناك أمة تكتفي بالتفاخر بماضيها إلا كانت متخلفة  نحن كما قال الشاعر:ألهى بني تغلبٍ عن كل مكرمةً قصيدة قالها عمرو بن كلثومِ!

أول هذه الأمة كان صالحوها قليل مستضعفون كان الفساد عاماً ولذلك ختم الحجاج على أعناق بقية الصحابة بالكي ( عتيق الحجاج)! أي صلاح ترون!! لم ينصرهم منه أحد! ومسلم بن عقبة كان يضرب عنق من لم يبايع على أنه عبد ليزيد بن معاوية ( يحكم في دمه وماله وأهله بما يشاء)! أي صلاح هذا؟   

وعندما سمع الحجاج ضجة فسأل: ما هذا؟!قالوا: الناس في السجن يصرخون فناداهم : ( أخسؤوا فيها ولا تكلمون)؟! يتشبه اللعين بالله أي أمة هذه؟ 

وبسر بن أبي أرطأة يذبح طفلين أمام أمهما ولا يجد من تلك الأمة ممن حضر من جيش أهل الشام من ينهاه ويوبخه؟! أي صلاح تريدون؟

المرأة العابدة الثبجاء يصلبها ابن زياد عارية منكسة ولا يجد من ينهاه ؟! هذا صلاح أول الأمة الذي يتفاخرون به وكأنه ما حصل مثله !! 

نساء مسلمات يسبيهن بسر بن ابي أرطأة قائد معاوية ويعرضهن في السوق ويكشف على سوقهن فيكون الثمن على قدر سمن الساق! أي أول أمة وأي صلاح؟!                         

نساء وبنات المهاجرين والأنصار في المدينة يفجر بهن جيش يزيد حتى اعترف ابن كثير بأنها حملت ألف بكر من ذلك الفجور! أي أمة تفتخرون بها؟!   

كل هذه الأحداث هي جزء يسير مما حصل في القرن الأول الذي هو عندهم خير القرون ورووا في ذلك حديثا واتخذوه حجة في الثناء على هؤلاء المجرمين!               

إذًا فلا يخدعكم أحد بسيرة القرن الأول ولا الرابع عشر إنما هو القرآن هو المعيار وهو الواجب الاتباع وليس هؤلاء المجرمين اسلاف المجرمين.  سيحاول الشيطان أن يجعل أولياءه هم القدوة وأن اتباعهم هو الواجب لا تصدقوهم صدقوا ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم)لم يقل اتبعوا السلف.               

الصالحون كانوا في القرن الأول بين شريد وطريد ومسجون ومقتول وملعون على المنابر وثكلان موجع هؤلاء هم السلف الصالح المضطهد في القرن الأول. لا يريد الحمقى من القرن الأول إلا هذه الجرائم ,يتمنون قتل المخالفين فوق كل صخرة ومطاردتهم تحت كل كوكب! هذا هو مشروعهم الذي يتباكون عليه.

لذلك نحن في نعمة عظيمة قياساً بتلك القرون لا يجبرنا أحد على لعن ولا يطلب منا البيعة على أننا عبيد ولا نخشى هدم الكعبة ولا تمزيق المصحف! صحيح هناك انتهاكات لحقوق الإنسان وضعف في المعرفة وبطالة وفقر وفساد مالي وإداري لكن قياسا بمظالم ( خير القرن) عند هؤلاء  يبقى هيّناً جدًا.

المشكلة أن الحمقى يطلقون الصلاح ويريدون به الفساد ويطلقون العزة ويريدون بها الذلة نحن نختلف معهم في اللغة في مبادئ الالفاظ! ولذلك قبل أن تقولوا ( لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها) اعلموا أن أولها لم يكن صالحاً بالمعنى القرآني بل فاسد أكثر من فسادنا, ولن تنهض أمة حتى يكون عندها شجاعة وصدق في محاسبة نفسها بمعيار صادق وكما قال الإمام علي (ع): ( اعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه)!   

الخلاصة أن كتاب الله وعدل الله فوق التاريخ وفوق القرن الاول والاحق فوق السنة والشيعة, فوق الصحابة والتابعين, بهذا نستطيع التجديد وبصدق نية.

وأختم بقولي الذي بدأت به ( لن يصلح آخر هذه الأمة ما أفسد أولها)! ونحن أحوج للاعتراف بالفساد الأول وتجنبه من حاجتنا في مدحه واستدعائه!

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=64
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 09 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29