• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : مقالات وكتابات .
                    • الموضوع : مقدمة في «العصمة» عند الفريقين .

مقدمة في «العصمة» عند الفريقين

مقالات الكويتة
بشريات الأنبياء أو بعضهم على الأقل ظاهرة في القرآن الكريم، وإذا قال الأشاعرة والشيعة إنهم معصومون - ويزيد الشيعة بأئمة أهل البيت- فيجب عليهم تعريف العصمة بما لا يتناقض مع ما ذكره القرآن الكريم من هذه البشريات، ويجب ترك التكلف الزائد في تأويل نصوص الكتاب لتتوافق مع النظرية المذهبية، وإنما يتم تأويل النظرية المذهبية بما يتوافق مع القرآن. قرأت كتاباً لأحد كبار أهل السنة - وهو الإمام الرازي- في عصمة الأنبياء، وكتباً أخرى للشيعة في عصمة أهل البيت، وهالني هذا التكلف من الفريقين في إثبات العصمة بالمعنى المذهبي، فلا هم عرفوا العصمة بما يتوافق مع القرآن، ولا استنزعوا هذا التعريف من القرآن الكريم، وهذا شتت الخلاف وزاده ضراوة، فالابتعاد عن القرآن الكريم ابتعاد عن النور، فلماذا لم ينتزع السنة لفظاً قرآنياً لعصمة الأنبياء، ولماذا لم يفعل الشيعة ذلك في عصمة أئمة أهل البيت؟ صحيح أن المعنى اللغوي ورد في القرآن الكريم «والله يعصمك من الناس» أي يمنعك منهم، «سآوي إلى جبل يعصمني من الماء» أي يمنعني، وهذا استخدام لغوي، يأتي هنا وهناك، لكن المعنى الشرعي لم يرد، لا بالمعنى الذي يطرحه أهل السنة في الأنبياء، ولا بالمعنى الذي يطرحه الشيعة في الأنبياء والأئمة. فمجرد افتقار النظرية (نظرية العصمة) للتأصيل القرآني خلل وضعف في النظرية. فالقرآن كامل، وخصوصاً في موضوع يراه الفريقان كبيراً كهذا، فالقرآن لا يخلو من البديل الشرعي اللفظي للكليات أو المعارف العامة. وقد اخترع المتمذهبون كلمة «العقيدة» مثلاً، وضربوا بها اللفظة القرآنية «الإيمان»، وأدخلهم اللفظ المخترع «العقيدة» في خصومات لا تنتهي.. عقيدتك كذا وعقيدتي كذا.. لكنهم لا يستطيعون أن يتفاخروا باللفظ القرآني، لا يستطيع أحدهم أن يقول «إيماني أحسن من إيمانك»، لأن اللفظ القرآني فيه بركة ونور ويعلمك التواضع، أما اللفظ المذهبي ففيه عنت وتفاخر وضيق. إذن، فليقل الجميع في العصمة ما شاءوا، لكن قبل أن يقولوا ويطالبوا الناس بالإيمان بهذا، عليهم أن يؤصلوا «العصمة» شرعياً من حيث اللفظ قبل الدخول في مناقشة المضمون. وعندما يحاولون سيجدون أنفسهم أمام عظمة القرآن التي تأبى الخصومات المذهبية. القرآن الكريم يعلمنا الاجتماع عليه، على ألفاظه ثم معانيه، لنصدر منه إلى بيوتنا محملين بألفاظه وهديه وتعالميه.. الخ، فالقرآن كله بركة، حتى اللفظ منه والحرف يجمع على الحق والمعرفة، والمذاهب تفرق عليهما وفق تفلتها من القرآن الكريم وضيقها بسعته. نحن نظلم أنفسنا، سنة وشيعة، ونهرب من سعة القرآن لضيق مذاهبنا، ومن يقينه لظنوننا، ومن راحته لمتاعب مذاهبنا، فيعاقبنا الله بهذا الذي ترون، من أحقاد متبادلة وانتشار للكراهية، وربما في الأخير تصل الفتن، تدشن بيننا سفك الدماء والصراع الأبدي. أنا هنا لا أحجر على أحد أن يعتقد ما يشاء، يتبنى هذه النظرية أو تلك، لكن ما المانع أن نبدأ من اللفظة نفسها - أي لفظة، ندعو لها أو نختلف فيها- فإن أهملها القرآن فتعالوا نبدأ بما بينه القرآن ونهتم به أولاً، ثم إن بقي من وقتنا وعلومنا فيض لا يتسع له كتاب الله، فلنمدد بعد ذلك في علومنا إلى مذاهبنا وخصوماتنا. إنني أدعو نفسي والجميع من إخواني السنة والشيعة، أن نعظم ما عظّمه القرآن، ونخفف مما خففه ولو كان حقاً، فالحق نفسه مراتب، ويجب أن نرتب هذا الحق وفق الترتيب القرآني له. ومن الحلقة القادمة سنحاول فلسفة «العصمة»، وهي موضوع عام سني شيعي، وما يأخذه أهل السنة على الشيعة في عصمة أهل البيت يصبونه في عصمة الأنبياء، فلا يظن جماعتنا أنهم في منأى عن هذا أيضاً، فأنا مسلم لا أحب نصرة إلا المعلومة الصحيحة، وإن كنت سني النشأة والتعليم والمحيط والمنهج النظري العام، كما أني مسلم حر، وإن كنت صديقاً للإخوة الشيعة معجباً بصبرهم على ابتلاءات التاريخ. لكن لن أنادي بالفردية (المذهب الفردي) وأكون أول من تركه! كلا، والمذهب الفردي هذا له أصل شر عي «وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً»، فكن فرداً بهذا المعنى، لا تدخل لعقلك وقلبك إلا ما اقتنعت به كفرد، من أي شخص أو مذهب كان. وإذا كان أتباع المذهب - أي مذهب- واثقين من مذهبهم فلا يخافوا عليه من هذا الانطلاق المبدئي من القرآن الكريم.

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=111
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 09 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18