• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : فصل الذريات منذ الأزل! .

فصل الذريات منذ الأزل!



السؤال الذي سأله الله لذريات بني آدم قبل خلقهم هو: ألست بربكم؟! سؤال يبدو جوابه سهلاً في ذلك الوقت! وحتى اليوم يبدو سهلاً أيضاً؛ لكنه صعب!



هناك نظرية لبعض الفلاسفة الإسلاميين؛ يرون أن النفوس قد تم فصلها منذ نشأتها؛ لجنة ونار؛ لسابق علم الله فيهم؛ وإنما بث الله هذه الذرية في الأرض لاثبات ذلك العلم الإلهي الأزلي؛ وحتى لا يقولون الهالكون لم تترك لنا فرصة لنجرب الهداية والسمو بأنفسنا.
هذه النظرية وردت فيها روايات وأحاديث فيها نظر؛ وحاولت بعض الأحاديث أن توظف هذا الحدث القديم لعقيدة الجبر؛ ولكن تعالوا لننظر؛ هل لهذا أصل؟
بمعنى هل هناك تصريح قرآني بأن الأمر قد تم منذ الخلق الأول؛ وإنما أنت الآن في سكرة التجربة؟
الجواب في هذه الآيات:

(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (172)أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)
  [ألأعراف]
السؤال الذي سأله الله لذريات بني آدم قبل خلقهم هو: ألست بربكم؟! سؤال يبدو جوابه سهلاً في ذلك الوقت! وحتى اليوم يبدو سهلاً أيضاً؛ لكنه صعب!
ما الفرق بين الجواب القديم والجواب اليوم؟!
الجواب القديم كان جواب الجميع (سعداء وأشقياء)؛ كان جواباً نفياً حقيقياً صافياً صادقاً طاهراً؛كان جوابنا في الأزل نقياً مطابقاً لما نحس به في قلوبنا؛ لأننا كنا بلا مؤثرات ولا مصالح ولا ضغوط ولا أي شيء؛ ثم أراد الله اختبارنا مع وجودها؛ الجواب اليوم صعب؛  لماذا؟
لأن المؤثرات الداخلية؛ من هوى وشهوة واخلاق سيئة؛ ضاغطة؛ بالإضافة لضغوط المؤثرات الخارجية؛ من مصالح ورأي عام وخوف وجوع؛ بالطبع أن الله عندما يقول: ألست بربكم؟
أنه لا يريد منك الاعتراف النظري المخادع؛ إنما يريد الإيمان الذي تخالط بشاشته القلوب؛ فكيف نجده؟
الجواب سيأتي؛ لكن دعونا في الآية نفسها؛ من منا يذكر ذلك السؤال؟!
من منا يشعر بذلك الشعور الصادق في الاعتراف بالله رباً؟ وما لوازم ذلك؟
الجواب: لا أظن أن أحداً في هذه الدنيا يذكر تلك اللحظة؛ فما السبب؟
هل يستطيع الإنسان بتعلقه بالله وشفافية إيمانه أن يذكر تلك اللحظة؟
طبعا لا. اذاً فلماذا يقول الله: (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين)؟ فإذا كانت البشرية كلها لا تذكر تلك اللحظة فهل سيكونون كلهم هالكين؟
أنت كمسلم لا تستطيع تكذيب القرآن الذي نقل هذه الحادثة؛ كما أنك كمسلم أو غير مسلم لا تذكر تلك اللحظة؛ لحظة السؤال وجوابه؛ فما الحل؟!
الحل هو في معرفة دلالة اسم الإشارة (هذا)؛ فاسم الإشارة لا يعني تلك اللحظة - فالجميع نسيها - إنما يعني الإقرار بالربوبية لا تغفل عنه.
اعيدوا قراءة الآية :

(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (172)
  [ألأعراف]
فالاقرار والشهادة بأن الله ربنا هو الذي لا يجوز أن نغفل عنه؛ وليس المراد أن نتذكر تلك اللحظة؛ والآية التي بعدها تدل على هذا؛ بأن الخطر على القسم الشقي من بني آدم أنهم قد ينسون لوازم جوابهم الأول الذي أقروا فيه وشهدوا بأن الله ربهم؛

(أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173)
[ألأعراف]
اذاً فالآية الثانية تدل على أن تحذير الله من غفلتنا ليس الغفلة أو النسيان لتلك اللحظة الزمنية؛ للسؤال وجوابه؛ وإنما الغفلة عن أن الله ربنا؛ الآية الثانية تشير إلى دور الآباء والأجداد في تمييع وتضييع وإضعاف معنى (أن الله ربنا). سؤال الله لم يكن عن الاعتراف الساذج؛ كان عن الحقيقة؛ أنت عندما تقول لابنك: (ألست أباك؟)؛ هل تريد منه الاعتراف اللفظي مع استهانته بك؟ أم تريد حقيقة شعوره بأبوتك وما يلزمها من حب وتعلق وطاعة؟!
ستقول: (أريد الجواب الثاني قطعاً؛ أما الأول فلا أريده).
حسناً: فلماذا تريد أن يكتفي الله بما لا تكتفي به أنت؟! لماذا تستكثر عليه الحقيقة؟
ثم يأتي السؤال: فما هي لوازم اعترافي القديم وشهادتي بأن الله ربي؟ كيف لي أن أحافظ على ذلك النقاء والخلوص لله وامتلاء القلب بهذا الشعور؟
هذا يحتاج إلى جمع الآيات في ربوبية الله من القرآن الكريم؛ لتعرف تلك الحقيقة الأولى ولا تغفل عنها؛ أعني صدقك القديم بأن ربك هو الله فقط.

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1079
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 03 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29