• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : هل التوراة والإنجيل محرفة؟! .

هل التوراة والإنجيل محرفة؟!



                        هل التوراة والإنجيل محرفة؟!



هناك مؤامرة كبرى ضد كل نور؛ -والتوراة من ضمن الأمور التي فيها نور بنص القرآن- فتمت إشاعات واسعة بأن التوراة والإنجيل محرفتان تماماً! لم يذكر الله ولا مرة؛ أن التوراة والإنجيل محرفتان؛ بل أثنى عليهما في الزمن النبوي نفسه؛ وإنما توجه الذم لبعض أهل الكتاب ومحاولاتهم التحريف.


أكثر الناس يطلق هذا القول مطلقاً؛ ولا يحاول بحث الموضوع قرآنياً!
لم تكن التوراة والإنجيل محرفة زمن نزول الوحي؛أو على أقل تقدير؛ كان في زمن النبوة نسخ صحيحة من التوراة والإنجيل؛ لم يصلها التحريف؛ وكان القرآن يشيد بهذه النسخ التي يعرفها أهل العلم منهم.
نعم؛ هناك إشارات إلى أن التحريف؛ بدأ زمن النبوة؛ من فريق فقط من أهل الكتاب؛( الفريق المتحالف مع قريش)؛  أما الفريق الآخر فلا؛ وستأتي الأدلة:
الآيتان ٤٣/ ٤٤ من سورة المائدة - آخر سورة نزلت على النبي- فيها إشادة بالتوراة؛ وأن فيها حكم الله؛ فكيف تكون محرفة؟
(وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) [سورة المائدة]
ونفى الله الإيمان عن الذين لا يحكمونها من اليهود؛ وهذا يدل - بمفهوم المخالفة - أن من حكموها والتزموا بها من المؤمنين.
كان الإسلام عالياً جداً!
نعم؛ فريق من أهل الكتاب متحالف مع كفار قريش؛ بدأ في التحريف بحلف مع قريش والمنافقين؛ ولكن أصل التوراة والإنجيل كانا موجودين أيضاً؛ بلا تحريف؛ وهذا الحلف تغلب وأخفى التوراة والانجيل؛ ورفع من شأن المحرفات منها؛ ابطالاً للنور الذي ذكر الله في آخر النبوة أنه في التوراة؛ كما في الآية؛ فالمسلمون ورثوا هذا التعميم في ذم التوراة والإنجيل - رغم مدح القرآن لهما - وهذا تناقض واضح بين مدح القرآن لهما وذم المسلمين؛ فأين الخلل؟!
بل في الآيات السابقة؛ قبلها بقليل - وهي من آخر ما نزل على النبي - شرح واضح لهذا الحلف التبعيضي(الاسلامي اليهودي):
(۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) [سورة المائدة]
هناك مؤامرة كبرى ضد كل نور؛ -والتوراة من ضمن الأمور التي فيها نور بنص القرآن- فتمت إشاعات واسعة بأن التوراة والإنجيل محرفتان تماماً! لم يذكر الله ولا مرة؛ أن التوراة والإنجيل محرفتان؛ بل أثنى عليهما في الزمن النبوي نفسه؛ وإنما توجه الذم لبعض أهل الكتاب ومحاولاتهم التحريف؛ نعم؛ كانت بدايات التحريف في فريق فقط من أهل الكتاب؛ لكن الله لم يذكر أنهم حرفوا كل نسخ التوراة والإنجيل؛ وإلا كيف يثني الله على محرف مبدل؟ بل لم يذكر عن ذلك الفريق أنهم حرفوا التوراة؛ وإنما (يكتبون الكتاب بأيديهم ويقولون هو من عند الله) والكتاب اسم عام:
(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ (79) [سورة البقرة]
كانت التوراة سليمة في العهد النبوي؛ كانت كتاباً إلهياً فيه نور؛ يحكم به النبي كما يحكم بالقرآن؛ لكن الحلف كتم هذا:
(إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) [سورة المائدة]
كان النبي يتحدى الفريق المراوغ من أهل الكتاب بالتوراة؛ فهل سيتحدى بأمر بكتاب باطل محرف؟! لابد من وجودها وسلامتها:
(۞ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ ۗ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93) [سورة آل عمران]
الفريق الصادق من أهل الكتاب علاقتهم بالنبي قديمة؛ من العهد المكي؛ وكانوا يزورونه ويسمعون منه ويعرفون أنه الحق:
(قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) [سورة الإسراء]
كان كفار قريش ملزمون بالإيمان بالتوراة؛ مما يدل على أنها كانت سليمة غير محرفة؛ ولما أيدت النبوة قالوا سحران!
(فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ ۚ أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ ۖ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) [سورة القصص]
وهذا في أواسط العهد المكي - الآية السابقة - فلذلك عملت قريش على الفريق المادي من أهل الكتاب؛ الذين يخفون ويحرفون؛ هم فريق فقط؛ والتواراة سليمة؛ الفريق الصادق من اليهود؛ الذين آمنوا بالنبي في مكة؛ تعرضوا لاضطهاد وتهجير قبل الهجرة؛ راقب (أنتم هؤلاء)!
وأُخفيت!
(ثُمَّ أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ۚ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) [سورة البقرة]
هذه الحادثة التي سجلها القرآن تم إخفاؤها من الحلف المتغلب فيما بعد! ولو سجلها ابن إسحاق أو عروة لعرفها الناس؛ لكن كان القرآن فقط من ذكرها.
التوراة - في جميع الأحوال - لم تحرف كل النسخ؛ وكان الفريق المراوغ يخشى من تقديم التوراة تحدياً؛ لأنه يعرف أن التوراة السليمة مازالت موجودة؛ تحذير القرآن من أهل الكتاب إنما يتنزل على (فريق منهم) فقط؛ هذا الفريق مادي؛ وقريش أهل تجارة؛ وكانوا قد أخذوهم معهم:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) [سورة آل عمران]
أهل الكتاب لم يكونوا جميعهم يكتمون الحق (الموجود معهم في التوراة)؛ إنما فريق فقط من يكتمون الحق منهم.
انتبه!
هذا قرآن.
(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) [سورة البقرة]
نحن كأهل الكتاب؛ وهذا لا يعني تحريف القرآن؛ إنما نخفي منه كما يخفون منه؛ ولذلك البعض كأنه يقرأ هذه الآيات لأول مرة:
(وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (16) [سورة المائدة]
وبما أننا سرنا على سنن أهل الكتاب؛ فالقرآن يظهر ما كنا نخفي؛ كما كان يظهر ما كانوا يخفون! وموقف الفريق الضال من الفريقين سيكون واحداً قطعا.
الحلف القرشي اليهودي وقع بعد شهادة الصادقين بالنبوة؛ ثم توسع واستمر حتى قضى على التوراة الأصلية تماماً؛ فلم يعد لها ذكر ولا خبر فيما بعد؛ والانجيل كذلك؛ كان سليماً إلى آخر للعهد النبوي - على الأقل نسخاً منه -  كان الصادقون من النصارى؛ يعرفون التطابق ويبكون:
(وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) [سورة المائدة]
كل هذه الآيات التي سردتها لكم هي قليل من كثير مما أخفيناه وأظهره القرآن تبعاً منا لذلك الحلف؛ وجمهورهم في الكثرة أقوى من أتباع هذه الآيات؛ لذلك لن نستفيد مما أظهره القرآن؛ مثلما هم لم يستفيدوا مما أظهره القرآن؛ ألم يقل النبي (لتتبعن سنن من كان قبلكم)!!؟ هل تظنونه يتوقع فقط؟
أخيراً؛ لا تذموا التوراة والانجيل؛ وآمنوا بهما؛ وأحبوهما؛ حتى ولو لم تروا نسخهما الصحيحة؛ لا تذم ما لا تراه؛ فأنت لا ترى الله ولا الملائكة.

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1224
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 08 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 22