• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : اضحك على الأيام! .

اضحك على الأيام!


                      اضحك على الأيام!


                              كان العيد قصة كبيرة!
                          كانت البهجة تقل مع السنين..


ليلة العيد لا نكاد ننام لكثرة الفرحة؛ ونستيقظ أكثر من مرة نظنه طلوع الفجر؛ فنرقب أوائله،  وعندما يطلع نكاد نقبل الأفق بقلوبنا؛ أنا وإخواني أحمد وعبد الله وجابر لا نكاد نعرف بعضنا عندما نلبس اللبس الجديد؛ كرتية جديدة (قميص)؛ ومصنف جديد ملون النهايات(مئزر)؛ومنقلة الخ..

كنا في عيد الأضحى المبارك - أيام الصبا - لساناً واحداً مع اغنية العيد للفنان الراحل علي الآنسي:

لممشاهدة والاستماع الى "أضحك على الأيام ، آنستنا يا عيد ، علي بن علي الآنسي ، أغاني يمنية" على هذا اللرابط «««

زمان غير هذا الزمان، لدرجة أن تلك الأيام؛ لو تعود؛ لقلنا أننا متنا ثم بعثنا؛ أيام مختلفة تماماً في كل شي!
الأعياد في الماضي كانت بهجة كبيرة؛ الأعياد التي عشناها أيام الصبا من عام 1393 - 1403 تقريباً؛ ثم بدأت البهجة تتناقص والعادات المحدثة تزاحم؛ ولا بأس أن أستعيد بعض الذكريات هنا..
كانت فرحتنا أيام الصبا - في بني مالك خولان - بالعيد تأتينا من كل ناحية؛ مجرد رؤية الناس كانت فرحة؛ اللباس الجديد فرحة؛ الأكل فرحة؛ التجول فرحة..
تبدأ الفرحة قبل العيد بيومين؛ نسميهما (المشة والوقفة)؛ كنا أطفالاً نغني للعيد قبل حصوله بثلاثة أيام؛ (غدوى المشة؛ وبعدو الوقفة؛ وبعدو امعيد)!
معاني الكلمات:
غَدوَى = مع إشباع الالف المقصوة، أي غداً، وأهل ليبيا يقولون (غِدوة).
المشة: نغتسل فيه إلزامياً، ونتمشش (نغسل رؤوسنا بالسدر)؛ ويوافق يوم المشة يوم وقفة منى.
بعدو الوقفة = أي وقفة عرفة.
وبعدو أمعيد = العيد؛ لكن (الهاء) للغائب ننطقه (واو)؛ فنقول: عينو، وجهو، بعدو.
كنت قبيل العيد آخذ الأغنام كالعادة لأرعاهم؛ أصعد بها ذلك (النقيل) المتعرج إلى (القحز) الفسيح؛ ويلحق بي بعض إخواني بالأبقار والحمير إلى القحز؛ ثم نلتقي تحت شجرة الضبر في القحز؛ (مازالت موجودة) ونغني للعيد، ونتذاكر عن  جمال وجدة الملابس الجديدة التي اشتراها لنا الوالد من سوق الربوع؛ وربما وجدنا الرعاة من أبناء وبنات الجيران، فنتحدث عن العيد والملابس والحناء (والطلاعات)؛ وهل ستعيدون علينا أم لا .الخ
كان العيد قصة كبيرة؛ ونلتقي في ظلال (السدر) و (الضَّبِرِ).... لقيا العصافير فوق الغصن والشجر!
أبناؤنا لا يكادون يصدقون عندما يسمعوننا نتحدث عن تلك الأيام!
ليلة العيد لا نكاد ننام لكثرة الفرحة؛ ونستيقظ أكثر من مرة نظنه طلوع الفجر؛ فنرقب أوائله،  وعندما يطلع نكاد نقبل الأفق بقلوبنا؛ أنا وإخواني أحمد وعبد الله وجابر لا نكاد نعرف بعضنا عندما نلبس اللبس الجديد؛ كرتية جديدة (قميص)؛ ومصنف جديد ملون النهايات(مئزر)؛ومنقلة الخ..
وأما رؤوسنا؛ فممشوطة من النصف (فرق الشعر)؛ مع الكعاوي وغرز  أنواع من البعثيران والكاذي والطروق والخزام ما بينها وبين الرأس..
دنيا عظيمة!
ثم ننطلق مع الوالد ونحن نرى الجيران وأولادهم يتساقطون من الجبال ويتسايرون في الأدوية؛ يحاكون زفة أهل الجنة إلى أبواب النعيم..
شيء لا يصدق!
نجد كبار السن وأترابنا في هذه الكسوة والكحل والنباتات العطرية بجوار الكعاوي والعمائم، كنا نلتقي كأننا أهل بيت واحد التقوا بعد فراق زمان؛ نمر من أعلى المعثرة، ثم الطرق القديمة من عند طاحون محمد مسعود؛ ثم وادي الجنية المتعرج؛ إلى أن نصل للمصلى مبتهجين بهذا الحشد العظيم من الناس.
كان الناس الذين يصلون صلاة العيد في وادي الجنية لا يتجاوز الثلاثين؛ لكننا نرى هذا الجمع وكأنه المحشر؛ فالناس قليل؛ لا يكاد يجتمع منهم خمسة..
كان الوالد يشتري لكل واحد منا طلاعتين أو ثلاث (يسمونها اليوم فراقيع)؛ أذكر الشكل؛ كان أحمر مخططاً بالأبيض؛ كالرسوم في ملابس سكان شرق آسيا.. كنا نرى مع غيرنا؛ ممن آباؤهم أكثر يساراً ، مع الواحد شدة كاملة! حوالي (20 طلاعة)؛ كانت حالتنا دون المتوسط؛ وبعض الأطفال ليس معهم شيء أصلاً.
يقوم الخطيب - ابن آل زيفة رحمه الله - وقبله أحمد مسعود ابن آل زرعة - رحمه الله - ونستمع الخطبة ولا نفهم منها إلا القليل جداً؛ لهجتنا غالبة؛ وأنا هنا أركز على الطفولة وأوائل الدراسة؛ أي؛ من حوالي عام 1393 - 1400 هـ.
كانت البهجة تقل مع السنين؛ لذلك؛ أجد نفسي في أوائل الذكريات؛ بعد الخطبة والصلاة كان يأتي وقت المصافحات والسلام العام؛ كنا كأطفال نندهش للمشهد كله؛ لم يكن عند الناس تلفزيونات؛ فالتفرج على الناس مكسب؛ كان لتفرج على الناس فقط؛ في حد ذاته مهرجاناً كبيراً؛ لا يساويه افتتاح كأس العالم في أي مدينة سعودية اليوم؛ نرى الناس أشكالاً وألواناً عجيبة! المهم ننشغل بالطلاعات ونحرق فتيلها بالكبريت (وعلب الكبريت لنا معها قصص كثيرة، فهي من أوائل ما امتلكناه)؛ كان الأمر لا يعدو طلاعتين تقريباً؛ والمفترض أن متعة المشاهة واحدة..
أنت فقط تشعل الفتيل؛ وانفجار الطلاعة يراه الجميع؛ لكن قلوبنا لا تقنع إلا بامتلاك الطلاعة نفسها وتفجيرها؛ وهذا يذكرني بقول مجنون ليلى عندما سئل: ما بلغ حبك لليلى؟
قال: أن أرى الشمس على حيطان بيتها،  أجمل من الشمس على حيطان بيوت جاراتها!
بعد حضور مصلى العيد؛ وإشعال الطلاعات؛ ورؤية مهرجان العيد وكأنه كأس العالم؛ نعود إلى بيوتنا لذبح (كبش العيد) واستقبال المعيدين والأكل الخ؛ بعد ذلك؛ نقوم بدورنا بالتجول على الجيران؛ نصعد إلى أهل القحز ثم نمضي إلى الجبيل؛ وقد نواصل إلى أهل المبداء وآل موسى وقلة المشربة، لهم أولوية.
كنا نتعجب من لبس وجمال البنات؛ ماشاء الله تبارك الله؛ ماهذا الجمال؟
كنا نجدهن في المرعى وعلى الموارد؛ ولا يلفتن نظرنا كثيراً؛ الآن خلق جديد.
كانت البنات يلبس الملابس الجديدة؛ ونتعجب من كل شيء؛ كسوة الراس وما فيها من ألوان المقدمة، ودريات مؤخرة الرأس؛ وقطفة الشعر؛ والطيب؛ والحناء الخ..
كانت البنات ودودات جداً؛ يقبلن أيدينا ونقبل أيديهن؛ يستقبلننا كأننا إخوانهن؛ ولكن يبقى للنفوس بيت المتنبي:
( لهوى النفوس سريرة لا تُعلم)!
كانت المحية تزيد في العيد بالفطرة؛ ينسى الجميع حساسياتهم؛ ينشغلون بالزيادة في الحب فقط؛ وهذا غريب، إذ؛ كيف يدركون هذا الواجب بالفطرة وحدها؟!
لذلك؛ كانت أغنية الفنان اليمني الراحل علي الآنسي هي لسان الحال فعلاً..
بالمناسبة؛ هذا الفنان يشبه الشيخ سليمان الفالح؛ وهي فرصة لتهنئة الشيخ سليمان الفالح بالعيد، وهو عندنا؛ كسعوديين؛ أشهر من نار على علم، تقلد عدة وظائف؛ آخرها؛ رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام.
نواصل..
كنت أنا شخصياً؛ لابد أن أذهب مع الوالدة - رحمها الله - لزيارة أمها- رحمها الله - ونلبث عندهم يومين، وكان العسل والسفرجل لا ينقطع عندهم؛ كان عيد الفطر عندنا يوم واحد؛ بينما ألأضحى عشرة أيام؛ لذلك؛ للأضحى فرحته الكبرى، في الأضحى لابد أن تتجول وتزور كل المحارم؛ وإن بعدت دارهم؛؛ عشرة أيام، أكل وزيارات ونزهة واكتشاف وثقافة.
لا أرى أشبه بنا تلك الأيام إلا العيد في الريف اليمني؛ فالعيد في اليمن مازالت له بهجته الأولى..
لن أطيل عليكم..
عيدكم مبارك.
جعله الله عيد خير وسرور وسلام لجميع المسلمين؛ لكن؛ احكوا لأولادكم عن ذلك الزمن القليل في مؤونته العظيم بنفوس أهله.

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1481
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 09 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28