• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : حوار مع ساخط - الجزء الثاني .

حوار مع ساخط - الجزء الثاني


                        حوار مع ساخط !


                        - الجزء الثاني -


قلت: ركائز المعرفة، التواضع وترك العجلة والبحث الجاد في المصادر الممثلة للدين؛ كالقرآن، وفصل النص عن واقع المسلمين!


لمطالعة "حوار مع ساخط – الجزء ألأوّل!"على هذا اللرابط «««

أرسل لي بعض الأخوة، أن أواصل الحوار؛ فكل شبهات (الساخط) على الإسلام قد قالها، ولم يبق إلا الجواب، وهذا من حقك؛ وأحب أن أقدم بمقدمات قبل الجواب على (تطابق النص والواقع من عدمها)؛ فالأخ الساخط تحدث عن واقع، لكنه؛ يصر أن هذا الواقع هو الإسلام نفسه؛ وهذه مشكلة كبيرة. فأي كاتب اليوم؛ أو مؤلف؛ يكون له حق الدفاع عن نفسه؛ لكن؛ ألا يكون لله حق الدفاع عن نفسه - من كتابه الكريم - فهذه إرادة شيطانية..
وكل من يرفض منح الله الدفاع عن نفسه هو شيطان؛ كل من يحتج بفعل الناس على أنها إرادة الله ومشيئته؛ فقد أطاع هواه وعجلته؛ وخالف أسس البحث العلمي.
الآن؛ لو آتي وأتهم مفكراً أو فيلسوفاً بأن أثره الفكري كان سبب كذا وكذا من الجرائم - مع رفض الحوار في منتجه الفكري - فهذا يعدونه ظلماً له؛ والأخ الساخط يشبه داعش من وجوه؛ أهمها: أن داعش؛ مثلاً؛ قد تقتل بريئاً  بحجة أنه فكره كذا وكذا وهو بريء؛ لكنها تفهم هذا؛ فما الفرق بينها وبينه؟
كل من دعاك إلى تصحيح الفكرة عنه من البشر؛ نرى أن هذا من حقه؛ حتى القضاء المتطرف يؤمن بها؛ أما بعض المتحررين؛ فلا يؤمنون بهذا الحق لله ولا لك.
عندهم تاريخ هو الحق فقط؛ تاريخ شارك فيه المنتصرون والفاسدون والظالمون والمنافقون؛ أو كان من آثارهم؛ تمسحوا بالإسلام  وصدقناهم وتركنا القرآن.
بعض المتحررين هم أتباع الغلاة؛ يقرؤون الإسلام قراءتهم تماماً؛ لا قدرة لهم على البحث ولا على قراءة القرآن ولا تمحيص التاريخ؛ هم كالغلاة تماماً.
الساخط يرفض تماماً تعديل ما قرأه في الابتدائي والمتوسط والثانوي عن الإسلام؛ مثلما يرفض الداعشي ذلك!
فكرتهما عن الإسلام واحدة، هي الواقع.
الساخط والداعشي؛ كلاهما في موقع قوة بشرية وتراثية وسلطوية؛ ولهما السلف نفسه تقريباً؛ بينما العائد للنص القرآ’ني؛ غريب الفكر ومحل سخط الجميع..
الساخط والداعشي في راحة أمام الجمهور؛ فكل ما يقولانه يقول الجمهور : نعم صدق..
معلوماتهما واحدة؛ الناس هم الشرع؛ لا القرآن؛ وهذه أول الأوهام.
كان يجب على الساخط أن يعود للقرآن، بلا فكرة مسبقة؛ أي؛ لابد أن يتخلى عن القراءة الداعشية  للنص القرآني؛ التي هي قراءة أكثر المسلمين تقريباً.
لا يظن الساخط أن داعش خرجت من لا شيء؛ كلا؛ هي أقرب لتراث المسلمين؛ ولكنها أبعد عن القرآن الكريم؛ والفرق لا يدركه الاثنان.. لا الداعي ولا الملحد.
هذه المنطقة - الفرق بين النص والواقع - هي المنطقة التي يمكن فيها أن يبقي المسلم على إسلامه؛ وهي منطقة واسعة جداً لمن بحث وتدبر وتواضع وتشجع؛ فمثلاً؛ كان يجب على الساخط أن ينظر للثوابت في النص قبل الإشكالات الصادرة من المسلمين..
لماذا قال أن الإسلام دين القتل والظلم ..الخ؛ لماذا؟
لأنه نظر إلى الواقع - واقع المسلمين قديماً وحديثاً؛ إلا ما ندر - ورفض أن ينظر إلى النص نفسه؛ تكبر عن دراسة النص؛ وجبن عن نقد واقع المسلمين.
لماذا لم يقل هذا الساخط أن الإسلام دين العدل والصدق والسلم والرحمة والتقوى والتفكر والعقل.. الخ؟ ما الذي منعه؛ على الأقل؛ من جمع هذا مع ذلك؟
لو أن الساخط قال : وجدت الأسلام دين القتل والسلم؛ العقل والغباء؛ الرحمة والعنف؛ التفكر والتسليم؛ الصدق والكذب ..الخ؛ لقلنا أن الرجل مستشكل؛ ثم تساعدنا على فك هذا التشابك (الوهمي) والبحث عن أسبابه وتفكيكه؛ لكنه؛ بدأ بالقول: الإسلام دين كذا وكذا من الشتائم التي قالها..
لم يشر للضد؛ فأول واجب على الملحد أو الساخط؛ أن يذكر الأمور كلها (ما يراه من خير أو شر)؛  حتى نستطيع أن نتحاور؛ أما أن يلقي الهجاء جزافاً؛ فهذا كبر وعجلة.
القرآن الكريم هو المصدر المتفق عليه؛ ومن الواجب أن نعود إليه؛ كنظرية؛ ثم ننظر الواقع كتطبيق؛ ثم ننظر؛ هل هناك فرق بين النظرية والتطبيق؟
سهل؛ لو رجعنا للقرآن؛ سنجد اختلافاً كبيراً بين قوله تعالى (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم)؛ وبين واقع المسلمين الذين قاتلوا من لم يقاتلهم؟ فما الحل هنا؟ هل نحمي القرآن من المسلمين؛ أم نحمي المسلمين من القرآن؟
الواقع يحمي المسلمين من القرآن، ثم أتى من يرفض المسلمين والقرآن معاً.
رفض الساخط للمسلمين لا إشكال فيه، فليس ردة ولا كفراً؛ لكن؛ رفضه للقرآن والإسلام هو الإشكال، وهو خطوة كبيرة مستعجلة خطيرة لا مبرر لها البتة؛ فلماذا يخاطر برفض الإسلام كله بدلاً من رفض واقع المسلمين؛ قديماً وحديثاً؟
بمعنى؛ لماذا لا يعتمد؛ مثلاً؛ على تصحيح مفهوم واحد (كالقتل مثلاً)؟
نعم؛ قد يأتيه الدواعش بأدلة قرآنية توحي بمناقضة آية (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم)؛ قد يأتونه مثلاً بآية (واقتلوهم حيث ثقفتموهم).. هنا؛ أليس من أخلاق المعرفة أن يرجع لسياق الآية ولفظها؟ لو رجع لوجدها في حق المعتدين؛ وأنها لا تناقض الأولى..
نعم؛ المعتدي اقتله حيث ثقفته؛ بل؛ الآيتان في سورة واحدة، وخلف بعضهما، بل؛ لو فصلت الآيتين لا تفيد الواحدة منهما إلا قتال المعتدي فقط، وهما واضحتان جداً؛ وسأذكرهما..
قال تعالى:
{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ﴿190﴾ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ ﴿191﴾ فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿192﴾ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴿193﴾ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴿194﴾ وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿195﴾} [الآيات البقرة]
فأي إشكال الآن؟ قتال المعتدي عرف عالمي، لا إشكال في قتال المعتدي أبداً عند كل أمم الأرض؛ لكننا نكتفي بقراءة داعش وسلفها وبس! هذا كبر وعجلة.. بل؛ حتى لو تقرأ الآية الثانية وحدها، التي جعلوها مناقضة للأولى؛ وهي (واقتلوهم حديث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم)؛ واضح أنها ضد معتدٍ؛ فالذي يخرجك من أرضك هو معتدي؛ والآية تقول (وأخرجوهم من حيث أخرجوكم)؛ فمن اين أتى بأن الإسلام دين دموية واستعمار؟ أتى بها من المسلمين فقط.
إذاً؛ فهذه القراءة المستعجلة المتكبرة للإسلام؛ من واقع المسلمين وتراثهم ومناهج التعليم؛ هي جريمة الباحث؛ وهي كافية لعقوبته بحرمانه من الهداية.
الله قد أخبر أنه لا يهدي المتكبرين، ونهى الإنسان عن الظلم والجهل والعجلة؛ وهي موجودة في كل من ترك الإسلام بناء على هذه القراءات السريعة.. نعم؛ قد يلحد الإنسان بشبهات أقوى ومعلومات أكثر صدمة وحيرة؛ أما أن يكفر بسبب تقليده لداعش وأخواتها؛ واعتماده لقراءتها للدين؛ فأبعده الله.
إذا كنت؛ ولا بد؛ ملحداً؛ فالحد بعد بذل للوسع؛ فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها؛ أما أنه ليس بوسعك الانفكاك عن ثقافة داعش وسلفها؛ فلا.
لم تبذل الوسع.
بالطبع؛ لا يستطيع المدافع عن القرآن أن يدافع تمام الدفاع وفي كل الشبهات؛ لأن الشيطان قد يتسامح مع نقد الشياطين الصغار؛ ولكنه يرفض مس الكبار. وهنا صعوبة الباحث وأهمية تفعليه لنعم الله عليه، كنعمة العقل والتفكر والنظر.. هو ابتلاء الله لك في قدراتك؛ فوظف طاقاتها كلها، وستجد الجواب.
هناك مجموعة نعم (عقل/ سمع / بصر/ قلب)؛ ومجموعة قدرات تابعة لهذه النعم (تأن/ تدبر/ هدوء/ محاربة كبر وعجلة)؛ وظفها جميعاًُ؛ وسترى النور!
وحتى لا نخادع أنفسنا؛ نعم؛ هناك إشكالات قد يجدها المرء رغم كل هذا؛ ولكن؛ الثوابت ستكون اقوى من تلك الإشكالات.. لعل الإشكالات ابتلاء لك من جهة.
لعل الإشكالات ابتلاء لك من جهة: هل هي أعظم أم المحكمات؟ هل هذه الإشكالات أعظم من غايات القرآن ومقاصد الرسالة؟
أنت؛ هنا؛ فعّل عقلك ورجّح؛ وثق تماماً أن الله لن يطلعك على كل الغيب؛ فبعض الإشكالات؛ أو ربما التشريعات؛ قد لا تجد سرها ولا حكمتها؛  فلا تجعلها أعظم من المحكمات الثوابت.. لابد أن يبقي الله له بعض الأسرار وبعض الغيوب والحكم الإلهية؛ وهذا من حقه جل شأنه.. أنت؛ وأنت رب الأسرة؛ لا تطلعها على كل أسرار توجيهاتك لها
رب الأسرة؛ أوالمعلم مثلاً؛ قد يأمرك بأوامر لا تعرف - كابن أو طالب - أسرارها ولا الحكمة منها، لكن؛ ثقتك فيه أكبر من الاستشكالات؛ والله أجل.
على كل حال؛ الإسلام هو دين الغايات؛ دين العبادة لله وحده؛ لا لغيره؛ دين التقوى والشكر والعقل والعدل والصدق والبر والإحسان والتعارف والرشد؛ دين التفكر والتراحم والسلم والشهادة لله وإكرام اليتيم وإطعام المسكين؛ دين حرمة الظلم والكبر والكذب والإثم والعدوان  ..الخ.. هذه هي العناوين؛ ولا يجوز لأفعال المسلمين أن تكون فوق هذه العناوين المحكمات البينات؛ ولا أن تكون حاكمة عليها؛ فالله وحده؛ لا شريك له؛ هو رب العالمين؛ لا غيره.
ولكن؛ من سنة الله في ابتلاء عباده وتمحيصهم؛ أن يكون للشيطان تضليل يدعمه الكثرة؛ ولله برهان يتمسك به القلة؛ وأنت في تمحيص بينهما؛ فاختر لنفسك!

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1504
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 10 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18