• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : فوائد الفتن! .

فوائد الفتن!


                        فوائد الفتن!


أن حديث (لا تكرهوا الفتن فإنها تبيّن المنافقين) يعيد لنا معنى النفاق الحقيقي الذي لا يشعر أهله به، وليس النفاق البديل المعزول. فلا تكرهوا الفتن (في آخر الزمان)؛ فإنها تبين لك المنافقين الذين قال الله عنهم (هم العدو فاحذرهم)..
احذر الحماقة والجهل والكبر والتبلد؛ فإذا رأيت من يأمر بالفساد وبنية صادقة وحماس، فتذكر أن الله قال عن المنافقين (ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يعلمون)..
فعلاً لا يعلمون!

ليس هناك شر محض، كل شر ينطوي على خير؛ وفي هذا المعنى جاءت آيات كريمة؛ مثل (لا تحسبوه شراً لكم)؛ والفتنة شر، لكن؛ هل لها فوائد؟
أبلغ ما قرأته في فائدة الفتن في آخر الزمان، حديث علي
«لا تَكْرهُوا الْفِتْنَةَ فِي آخِرِ الزَّمانِ، فَإِنَّهَا تُبَيِّنُ الْمُنَافِقِينَ»
والحديث أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في طبقات المحدثين بأصبهان (3/ 541)؛ ورغم أن في سنده كلاماً، إلا أن معناه يبدو صحيحاً.. كيف؟ لأنك ترى بعينيك: إذا حدث كذب.. الخ؛ ترى محتوى النفاق أمام عينيك؛ وتعلم خطورة النفاق، وأنه ليس لعبة؛ وتعلم لماذا هم في الدرك الأسفل؟ الخ
إذاً؛ فالحديث لا يقول بأن الفتن خير؛ إلا أن لها فوائد، وفي آخر الزمان خاصة! لأنه بها يتبين المنافقون؛ وأنت بحاجة إلى هذا ثقافياً وإيمانياً.. أما إيمانياً، فتعقل لماذا قال الله عنهم (هم العدو فاحذرهم)؛ وتعقل لماذا هم (في الدرك الأسفل من النار)؛ وهكذا. ولولا الفتن لما عقلت هذه الايات.
وأما ثقافياً، فتستفيد عن أسباب التعمية عليهم؛ وعن ثقافة النفاق التي حصرت لنا المنافقين في فئة معزولة مسالمة؛ وتكتشف مسيرة الخدعة الطويلة..
الفتن تبين المنافقين لأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر إيمان استشعار ووجدان؛ وإنما إيمان اعتراف وكلام ويبوسة؛ فالله والمعاد على ألسنتهم فقط.. الفتن تبين المنافقين لأنك ترى بيقينك: كذبهم على الله؛ وكذبهم إذا تحدثوا؛ وفجورهم إذا خاصموا؛ ونكثهم إذا عاهدوا؛ وقلة فقههم؛ وعدم شعورهم الخ.
الفتنة تبين المنافقين وتعيد لك ما كنت قد نسيته مما ذكرهم الله عنهم؛ من أنهم: لا يشعرون؛ لا يفقون؛ لا يعلمون؛ يظنون أنهم مهتدون؛ يفسدون.. الخ
قبل الفتن؛ كنت تظن أن المنافقين يعلمون أنهم منافقون، لكنهم خائفون من الإعلان؛ القرآن يقول لك عنهم خلاف ذلك: لا يعلمون؛ لا يشعرون؛ لا يفقهون!
من هنا؛ يعود القرآن طرياً غضاً في كشف المعنى القرآني للنفاق؛ ومن هنا تبدأ أنت بدراسة ثقافة النفاق وخطورتها دراسة غير تقليدية؛ دراسة جديدة؛ فإذا رأيت شيخاً؛ أو محللاً سياسياً؛ يتمتع بمصادقية في خيرية الفساد القطعي، فهنا تتذكر فوراً الآيات في المنافقين؛ وأنهم: لا يشعرون؛ لا يفقهون!
ثم؛ إذا قمت بجمع الآيات في النفاق وأهله، ستستغرب هذا الحشد القرآني الكبير عنهم وعن خطورتهم؛ ثم تؤمن وتعرف أن الله لا يحشد هذا الحشد لعبث! هنا يزيد إيمانك بهذا القرآن؛ وأنه لو التزمت به الأمة كما أراد الله، لما تمكن أهل النفاق من الإفساد في الأرض؛ ثم يقولون (إنما نحن مصلحون)!
هجر الأمة للقرآن ليس في قراءته وحفظه، وإنما في هجر معانيه الأصلية التي تبصرك بالطريق؛ فهذه المعاني الأولى هي التي تحيي الناس؛ لا الألفاظ.
الفتن تعيد لك البصيرة بالخلل في الثقافة الإسلامية؛ الخلل كبير جداً، ويكمن في وضع معاني للألفاظ غير تلك المعاني التي ذكرها الله نفسه. فلا الإسلام هو الإسلام؛ ولا النفاق هو النفاق؛ ولا الشرك هو الشرك؛ ولا الإيمان هو الإيمان الخ.. تدخلت شياطين الجن والإنس في وضع المعاني الخادعة.. المعاني الخادعة للألفاظ القرآنية أفسدت علينا الاستفادة منه؛ أصبح كتاباً لا يفيد معرفة ولا أثراً؛ كتاب أجر وبركة بالوهم، لا أثر وحركة بالفعل.
شياطين الإنس والجن عملوا ثقافة مزخرفة؛ ثقافة زور؛ والمزوّر يشبه الأصل، لا يباعده في الشكل؛ وإنما في الجوهر؛ وهذا معنى (زخرف القول غروراً)؛ والله نفسه أراد وجود هذه الثقافة من أجل فرز الصادق من الكاذب؛ فهو من قال (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)) [سورة الأنعام]
انتبه! لا تنس أنك تجري في سنة الله، في قوانينه الاختبارية، في سنة التمحيص.. أنت تجري في سنة الله؛ سواء كنت صادقاً أم كاذباً؛ سنة الله في التمييز.
الفتن تعيد لك ما لم تكن تعقله من ثقافة القرآن الكريم؛ ومن ذلك؛ الاستهانة بالشيطان وعداوته، والنفاق وحقيقته.. لماذا يعظم الله خطورتهم ونهونها ؟
استهانتنا بما عظمه الله من خير أو شر، هو دليل اغترارنا بــ (زخرف القول غروراً) على مدى قرون، لا يجوز لنا أن نستهين بالشيطان ولا المنافقين.. استهانتنا بالشيطان والمنافقين هو نتيجة تصور خاطئ عنهم؛ هذا التصور الخاطيء أخذناه من غير القرآن؛ ومن حق الله علينا؛ إذا حذرنا من شيء أن نحذر.
والخلاصة :
أن حديث (لا تكرهوا الفتن فإنها تبيّن المنافقين) يعيد لنا معنى النفاق الحقيقي الذي لا يشعر أهله به، وليس النفاق البديل المعزول. فلا تكرهوا الفتن (في آخر الزمان)؛ فإنها تبين لك المنافقين الذين قال الله عنهم (هم العدو فاحذرهم)..
احذر الحماقة والجهل والكبر والتبلد؛ فإذا رأيت من يأمر بالفساد وبنية صادقة وحماس، فتذكر أن الله قال عن المنافقين (ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يعلمون)..
فعلاً لا يعلمون!
لماذا يا رب تحاسبهم وهم لا يعلمون ولا يشعرون ولا يفقهون؟
لأنهم يستطيعون أن يعلموا ويشعروا ويفقهوا؛ لكن أكلهم الكبر واتباع الهوى والدنيا.. لو أنهم سمعوا كما أمرهم الله؛
وأبصروا كما أمرهم الله؛ وعقلوا كما أمرهم الله، لعلموا وفقهوا وشعروا؛ لكنهم لم يفعلوا..
فما ظلمهم الله.
لا عذر لك؛ لا تعتذر عن كذب بكذب؛ تخلص من الكذب كله لتبصر النور؛ كلما راكمتَ على نفسك الكذب فأنت من تعمي نفسك.. ضلالتك بيدك؛ وهدايتك بيدك؛ والهداية قد صعبها عليك الشيطان؛ راكم لك؛ هو وأولياءه من شايطين الإنس والجن؛ ثقافة ضرار كبيرة جداً؛ راكمها عبر القرون لتهلكك؛ فاستعد للبلاء!
لا تظن أن الجنة تأتيك بلا تعب منك؛ الجنة صعبة: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ(214)) [سورة البقرة] ؟
كلا؛ عندك سمعك؛ بصرك؛ قلبك؛ عقلك.. أنت مسؤول عن هذه النعم ((إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا))[الإسراء:36]
حرر نفسك؛ وتخلص من ثقافة الغرور.

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1508
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 10 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18