• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : واجب الدولة مع الغلاة والفكر المتطرف. .

واجب الدولة مع الغلاة والفكر المتطرف.


            واجب الدولة مع الغلاة والفكر المتطرف.

البعض يظن أن مناقشة الفكر المتطرف بعمق سيضر بالدولة وأمنها ويزيد من الانقسامات والاختلاف؛ فهل هذا صحيح؟
صحيح أننا نعيش في أمن نحمد الله عليه؛ ثم نثني على كل جهد في سبيل تثبيته، سواء أتى هذا الجهد من الحكومة ومسؤوليها، أو أهل الفقه أو المواطن؛ لكن الدولة - أي دولة - تعيش في عالم متغير؛ وليس الحل في السكون على ما كان، وإنما في استشراف ما هو آت، والعمل على استباقه بالمعرفة والثقافة. والدليل؛ بعض الأفكار والكتب والشخصيات التي كانت محل رضا قبل أربعين سنة مثلاً؛ ثم أصبحت اليوم من أهم منابع الإرهاب، فلماذا لم يتم استشراف هذا؟
مثال:
دون تسمية، تعلمون أن بعض الحركات كانت حليفة للدولة في زمن ما، ثم اختلفت بقوة مع الدولة في زمن لاحق؛ وأنتم تعرفونها وتعرفون الرموز.. لماذا؟ ذلك الاتفاق القديم، ثم ذلك الاختلاف الحديث، هو نتيجة ماذا؟ ومن هو الذي على حق؟ تلك الحركات والرموز؟ أم الدولة؟
هذا سؤال يجب ألا يخشى منه أحد؛  لأن الشباب المتأثرين بتلك الحركات والأشخاص هم أكثر التقاء وتلقياً من تلك التيارات والأشخاص؛ أكثر من مجالستهم وتلقيهم من الحكومة ووالمؤسسات. وهذا يعني أن تلك التيارات والرموز يستطيعون أن يعرضوا (وجهة نظرهم) بكل راحة، مع تزكية النفس، ويستطيعون أن يهضموا وجهة نظر الحكومة ويتهمونها.
أذكر أيام المرحلة الجامعية، كيف كنا واثقين من أنفسنا، وأن الدولة تريد وتريد وتريد ..الخ؛ ولا نجد وضوحاً في وسائل الإعلام، ولا رعاية  للحوار؛  وكلامي هذا لا يعني تبرئة الدولة، أو الحكومة - ولفظ الحكومة أصح - من الأخطاء؛ ولكن؛ بالتأكيد لو كانت وجهة نظرها حاضرة, لكنا أكثر توازناً واعتدالا.
كثير من القضايا تم تحريضنا على الدولة بسببها؛ ثم فهمناها لاحقاً بجهود فردية فقط؛ مثل قصة الحداثة؛ وقيادة المرأة للسيارة؛ وكفرية القوانين الخ؛ وما وقعت فيه - من تطرف وغلو - في تلك المرحلة، ليست الدولة برئية من أسبابه؛ فهي لم تتدخل في  إصلاح مناهج التعليم؛ ولا درسنا منطقاً ولا فلسفة الخ..
وعندما نقول هذا الكلام، ليس لنقد فترة سابقة، فقد ستر الله ومضت بأقل الخسائر والحمد لله؛ وإنما؛ الهدف استشراف المرحلة اللاحقة والاستعداد لها.
أذكر أيام المرحلة الجامعية كيف أتيح لي تكفير الحداثيين في مقالات؛ وكيف كنا مستعدين - يوم مظاهرة البنات -  لأي شيء؛ وكيف حاصرنا هيئة كبار العلماء..
طيب؛ لا سمح الله، لو أنني أنا شخصياً، أسهمت في قتل حداثي، أو اغتيال رجل أمن، ثم تم قتلي مثلاً؛ من المسؤول عن خسارتي الدنيا والآخرة؟
هنا، قد تكون المسؤولية الكبرى على التطرف؛ ولكن؛ على الحكومة ومؤسساتها مسؤلية أيضاً؛ إذ؛ لم تكن عندنا منافذ لمعرفة الأمور معرفة علمية موضوعية. كنا مجبورين - كشباب - على أحادية النظرة؛ لا نجد إلا نظرة واحدة للأمور، يغلب عليها التطرف والغلو وسوء الظن والغش والمبالغة والتذاكي ..الخ؛  نجد هذه (الأحادية) في الجامعة والمسجد والكتاب والشيخ .. الخ؛ ومن حقنا أن نعاتب الدولة (لماذا لم توفري لنا الحماية من هذه الأحادية؟)؛ واليوم؛ من واجب الدولة استشراف المستقبل؛ فما قد يكون اليوم محل رضا من الأفكار؛ قد ينتج في المستقبل أضراراً؛ فلابد من اختبار الأفكار بنصوص الشرع..
كل المذاهب والتيارات والأفكار والحركات فيها الغث والسمين؛ قد لا تكتشف أنت الخطأ كفرد؛ ولكن أتح لغيرك أن يكتشف، وينقد بموضوعية وحاسبه علمياً.
لابد أن تعمل الحكومة - بل  هذا من واجباتها الكبرى - أن تحافظ على (العقل)؛ فــ (حفظ العقل) من مقاصد الشريعة الخمسة المشهورة عند الفقهاء؛ وإلا .. وإلا فبالله عليكم؛ من يفجر نفسه في مؤسسة أو سوق أو مسجد أو حاولة اغتيال... هل مازال محتفظاً بــ ( عقله) ؟
هو مسؤولية الجميع؛ لماذا تركناه هكذا؟
هذا الشباب لا يقدم على اهلاك نفسه إلا وهناك فكر يزين له سوء عمله؛ هو مقتنع تماماً بأن هذا الفكر (هو دين الله الخالص)؛ ويريد الجنة ورضا الله؛ لا أحد يتنصل من المسؤولية؛ لا مؤسسات الدولة (كالتعليم والشؤون الإسلامية والإعلام)؛ ولا المفكرين الذين لهم مصداقية عند صاحب القرار.. الخ.
أكثر ما يستفزني؛ أنه عندما يقوم متطرف بعمل عنيف فيه إخلال بالنظام والأمن، أو ازهاق النفوس الخ، أجد غلاةً يستنكرون فعله ويتنصلون من المسؤولية. هذا الشاب - الذي يكفر العلماء والحكام والدعاة والمفكرين الخ - هو يرى أننا كلنا ضد الدين؛ ولو تعددت القراءات لهذا الدين، لاضطر لإعمال العقل ليختار..
لا تقولون لي: إن العلماء قد بينوا وأدانوا وأفتوا وقالوا... هذا الشاب يجد فتاواهم تخالف التراث الذي أوصا به والتعليم الذي تعلمه، وبالاعتباط؛ بمعنى، لا يجد كلامهم مقنعاً؛ لا يجدهم ينقضون الأفكار التي تعلمها نقضاً علمياً مقنعاً؛ يجد كلاماً غير مقنع، بل قد يجده - وفق ما تعلم – كفراً؛ وهذا الشاب الآخر يتجه للإلحاد؛ لماذا؟ لأنه يرى أن ما تعلمه يخالف فطرته وإنسانيته؛ يرى أنه يحث على العداوة والبغضاء والطعن في عدالة الله ..الخ؛  يعني مثلاً: يرى هذه المليارات من الشعوب، أنها ستدخل النار، وأن الواجب بغضهم حتى لو أحسنوا، وأن وأن ... فيظن أن الدين لا عقلاني ولا إنساني الخ؛ وبالتالي يشك في النبوة؛ ثم يشك في وجود الله، لأنه ينطلق في التفكير ويواصل الأسئلة: لماذا لا يتدخل الله في هذا الأمر أو ذاك!؟ إذاً فلا إله ..الخ.
تطرف في الجانبين كما ترون؛ والسبب واحد، وهو تعطيل هذا العقل ليتفكر؛ تكبيل الحرية العلمية؛ معلومات تعاند غايات القرآن ومحكماته والعقل والفطرة..
هنا، الدولة مطالبة بإدارة الثقافة؛ وتفعيل الحوار الوطني؛ وإلزام الجهات الحكومية بتوصياته؛ وفتح  باب السؤال و البحث والحرية المسؤولة.. الخ.
هذه الإدارة (للثقافة) هو حل مؤقت يتيح التذكير بالمشتركات الإسلامية والغايات القرآنية، وإعادة إحياء المحكمات لتعمل عملها وتؤدي وظيفتها الخ.
يجب المحافظة على هذه العقول لتعمل؛ فالعقل نعمة عظيمة من الله؛ ولا يليق أن نهمل حمايتها؛ ثم نتفرج وهي تاخذ صاحبها إلى عنف أو إلحاد..
أظن كذا يكفي.
الإسلام الذي طبقه النبي محمد استوعب الجميع؛ حتى أصحاب (الدرك الأسفل من النار)؛ والإسلام الذي عُلمنا إياه لا يستوعب حتى المؤمنين الصادقين.
الإسلام الذي طبقه محمد، كان اليهود النصارى يأتونه في المسجد
ويصلون فيه على دينهم؛ والإسلام الذي وجدناه اليوم، لكل فئة من المسلمين مسجدٌ خاص!
الإسلام الذي طبقه محمد كان فيه العقل غاية من الغايات (لعلكم تعقلون)؛ والإسلام الذي وجدناه يكون العقل، يُشتم العقل ويكون دليلاً على الضلالة.
الإسلام الذي طبقه محمد كان فيه التفكر غاية (لعلكم تتفكرون)؛ ولإسلام الذي وجدناه، لا يعلم أصحابه كيف يتفكرون، ولا يرونه أمراً ذا بال.
الإسلام الذي طبقه محمد، يكون الشيطان هو العدو المبين لكل بني آدم؛ والإسلام الذي ورثناه، وجدنا فيه بعضنا أعداء بعض!
الإسلام الذي طبقه محمد كان يسير وفق محكمات القرآن ويؤجل متشابهاته؛ والإسلام الذي ورثناه يهدم المحكمات كلها بسبب الاهتمام بالمشتبهات ونصرتها.
الإسلام الذي طبقة محمد، كان خيراً على الجميع، حتى على من لم يؤمن به؛ والإسلام الذي ورثناه وتعلمناه، أصبح شراً علينا وعلى غيرنا.
تباين كبير!
الإسلام الذي عرفه محمد، فيه الصدق هو الميزان (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم)؛ والإسلام الذي عرفناه، مقياسه الصلاة (إذا صلحت صلح سائر عمله).
الإسلام الذي طبقه محمد، لا يجوز قتال إلا المعتدي (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا)؛ والإسلم الذي ورثناه، قتال في كل اتجاه.
الإسلام الذي طبقه محمد، فيه (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)؛ والإسلام الذي عرفناه، كل الأمم والمذاهب في النار إلا نحن؛ علموا أو لم يعلموا!
هذه إشارات سريعة فقط؛ والغريب؛ أننا لا نرى هذه الفوارق الكبيرة، نتيجة الجهل والتقليد وهجر القرآن وزيف كثير من المرويات والانطباعات السائرة.
اللهم صل وسلم وبارك وتحنن وترحم على محمد وعلى آل محمد..

مواضيع أخرى:
لمطالعة "(طلع مضحوك علينا)؛ عبارة بدأت تتردد بكثرة عند الناس!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "عندما تغيب المناهج تحضر المذاهب .!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "أتيحوا للشباب الاعتدال..." على هذا اللرابط «««
لمطالعة سلسلة "الغلاة يدشنون الالحاد! " على هذا اللرابط «««
لمطالعة "أحاديث المرأة.... قراءة في نفسيات بعض أهل الحديث."على هذا اللرابط «««
لمطالعة "القنوات الدينية (المذهبية) والحزبية وخطورتها على الدين والوطن وعامة الناس." على هذا اللرابط «««
لمطالعة "كيف نفهم تأثير السياسة في الحديث؟" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "التجرد والتجديد..!"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "حرص إبليس وأتباعه على الصد عن سبيل الله"على هذا اللرابط «««

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1612
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 01 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29