• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : في ذكرى القمر والوالد! .

في ذكرى القمر والوالد!


                    في ذكرى القمر والوالد!

لا أدري لماذا لم يلفت سطوع البدر شاعرتنا الخنساء في ذكرى أخيها صخر! سطوع البدر واكتماله ذكرني بوالدي رحمه الله.
كنت وأنا طفل أنام بجوار والدي على (سهوة)؛ فوق (مركب) ذلك (المفتول) الذي تحيط به المزارع وأشجار السدر؛ ويتحدث لي عن القمر الساطع والنجوم والسماء..

السهوة = سرير صنعته محلية من أعواد شجر يسمى (المض)؛ المركب = المطبخ (كان لنا مطبخ فناء البيت فوقه يكون النوم)؛ المفتول = بناء دائري من دورين.
لم يكن والدي فلكياً؛ وإنما كان مزارعاً، والمزارع يهتم بالقمر والنجوم وأوقات المذاري (المزارع).
كان يبهرني سطوع القمر كما أراه الآن من الرياض؛ خرجت من بيتي للصيدلية لزكام بسيط؛ فتفاجأت بسطوع القمر وانتشار الضياء وتذكرت الوالد؛ ولبثت في مكاني أتأمل وأتذكر الوالد رحمه الله..
الدنيا لله.
كنت أسأل الوالد عن هذه الدائرة حول القمر؛ فيقول لي هذه (زربة القمر) - الزربة = دائرة سكن الأغنام – وأساله؛ إلى أين سيمضي؟ أسئلة ساذجة حتى المنام.. في الليالي القمراء.
كان عندنا هذا المفتول؛ مع مربض (الثور نوفان) تحت الظل القمري لشجرة السدر عند الجرن؛ مع ضوء ساطع وبرد قليل وصرّار ليل مؤنس.
الذي أعرفه عني كطفل أنني كنت أكثر ميلاً للوالد؛ ربما لانشغاله؛ فإذا استقر لزمته؛ وربما لأني أجد عنده معلومات جديدة؛ وربما لإجاباته على أي سؤال؛ أذكر أنه كان يرينا ثلاثة أنجم في السماء؛ على شكل مثلث؛ ويقول: إذا صار ذلك النجم بين هذين النجمين سيأتي الخير (أي المطر)؛ وكنا في فترة جفاف؛  كنت أراقب الأنجم الثلاثة كل ليلة وأنا فوق تلك السهوة؛ سواء مع الوالد أو بدونه؛ كنت أرى النجم كل ليلة يتقدم ويقترب من توسط النجمين؛ وكان الوالد قد حفر لنا (مثمل بجوارنا = بركة دائرية)؛ وكان هذا المثمل يعد فتحاً تلك الأيام؛ لأننا كنا نرد إلى المياه البعيدة في المدرة والثغرة؛ وما أن اقترب ذلك النجم حتى كاد يتوسط النجمين حتى أصابنا ذلك الخير.
أذكر أنني كنت في المفتول عصر يوم؛ وأنا أرى (السبول) تنحدر من (نيد الشقراء) - السبول = جمع سابل = يشبه المخروط المائي النازل من السماء ، لا يراه أهل المدن؛ لكن أهل الجبال يرونه مع كل مطر غزير - كنت أرى (السبول) تقترب .. كانت تقترب .. من نيد الشقراء .. إلى الشعف .. ثم بدت علينا كالأعمدة الضوئية من فوق قلة العَتمة ومن غوال حسن جودة؛ ثم غمر المطر المكان وتغشاه؛ وبعد حوالي النصف ساعة.
كانت السيول هذه المرة (وليست السبول)؛ كانت تتحدر من  لحوج (شعاب) الجبال؛ وتنطلق من (نَفَس) مدرج إلى (نَفَس) الذي يليه؛ والمفاجأة لي! أنني رأيت (نَفَس المَثْمَل) يتدفق كأنه عنق بعير أحمر!
يا للهول!
لقد امتلأ المثمل إذاً!
خرجت مسرعاً  نحو المثمل لا ألوي على شيء! كانت الوالدة تنادي أن أرجع حتى لا يصيبني (الحزاز = تقرح رأس الطفل من المطر إذا كان محلوقاً) لكن لم أسمع .. أجري وأكاد أتفجر من البهجة لأرى
ما أن وصلت ونظرت من كوة (المثمل)؛ ورأيت المثمل ممتلئاً للآخر،حتى أصابني الرعب مع بهجة وسعادة لا توصف؛ إنه (أكبر بحر) رأيته في حياتي يومئذ! شعرت بحب عميق، لهذا المطر؛ لهذا الماء المخلوط بــ (الغثر)؛ للمثمثل نفسه؛ للهواء؛ لوالدي الذي أنجز لنا هذا؛ للعليلي الذي حفر المثمل.. الخ
ما أجمل الغباء والسذاجة؛ السذاجة تملأها أدنى فرحة؛ غباء الطفولة ممتع، كل شيء فيها مبهج.. كل شيء إنجار عظيم..
رجعت مبشراً ومبتهجاً وسعيداً؛ ولبث قصة المطر و (المثمل) - وامتلائه - حديثي مع أخي أحمد وأختي جمعة  شهوراً؛ إنها فرصة لنقل الحدث من أرض الحدث ههههه ؛بهجة الدهشة والمعرفة.
القمر قادني لذكرى الوالد ومعلوماته عن القمر والنجوم الثلاثة؛ ثم بالمطر والمثمل.
لا الزمان الزمان فيما ....عهدناه قديماً ولا الديار الديار !

مواضيع أخرى:
لمطالعة "شيء من ذكريات المطر!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "من ذكريات المطر..!"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "وقفه مع الذكريات والفراق." على هذا اللرابط «««
لمطالعة "اوالدي وجابر أسعد الفيفي/ صداقات زمان!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "ذكريات السياسة! (ألجزء الأوّل)" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "العلمانيون والدواعش!"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "جيل ماجد عبد الله .... وجيل ابن تيمية! -الجزء ألأوّل" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "إنه الموت!" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "رمضان بين الجبال الشرقية! (الجزء الاوّل)"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "عندما ترى أبناءك يكبرون أمامك؛ عقلياً وعلمياً!"على هذا اللرابط «««

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1618
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 02 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29