• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : الخلود في النار.... الجزء الثاني .

الخلود في النار.... الجزء الثاني

طرحنا في الحلقة الماضية أسئلة من ضمنها هل الخلود في النار لجميع الناس أم ربما يكون لبعضهم دون بعض؟

وقلنا أن هناك آيتين على الأقل فيها ذكر الخلود الأبدي، و’يات فيها ذكر الخلود دون ذكر التأبيد وآيات في العذاب مطلقاً وهي في المؤمنين أيضاً

ولكن تفسير المؤمنين سيأتي  فهناك قواعد عليا يمكن أن تطمئنا في مسألة خلود أهل الجنة في الجنة سواء ذكر التأبيد أو لم يذكر، كرحمة الله وفضله

وهذه محاولة لفهم مسألة (التأبيد) هل هي عامة في كل أهل النار أم خاصة ببعضهم لأننا نرى الفرق بين الفراعنة وقتلة الملايين وبين من قتل لغضب مثلا

الاثنان موعودان بالنار لكن هناك فرق بين مثل فرعون والحجاج وبين آخر رجحت سيئاته على حسناته نعم قد يكون الفرق في مستوى العذاب إلا أن أقله كافٍ

أعني أقل العذاب ولو في شمس محرقة إذا بقيت أبد الآبدين بلا نهاية لأجل شخص رجحت سيئاته على حسناته سيكون محل إشكال من هنا الباب نبحث ونتدبر


أنا أعرف أن بعض أهل العلم كابن القيم وغيره يرجح فناء النار وهذا القول لا نقول به لأننا نرى من الطغاة والمجرمين من يستحق التأبيد بلا شك.

إلا أن كلامي ينصب على من رجحت سيئاته على حسناته ككثير من الدواب الذين لم يتكنوا من تحقيق المعاصي الكبرى لضعفه عنها هل عذابهم دائم؟ محل بحث

نعم إنما يجد الإنسان عمله وإذا تم تعذيب من رجحت سيئاته في النار ولو لمدة مليون سنة فهذا عقلاً كافٍ في العقوبة إلا أننا نحاول البحث في النص

هنا لابد من الانطلاق في البحث من عدة قواعد ثابتة 1- عدل الله 2- رحمة الله 3- فضل الله 4- حلمه وهكذا ، هذه القواطع تساعدنا في فهم الموضوع

وعلى كل حال هذه محاولة للإجابة على بعض الأسئلة المستشكلة على (عدل الله ورحمته) وهي أسئلة واستشكالات يجب أن نبحث لها عن جواب مقنع من النص

فبحثنا في الجزء الأول الآية (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168)

إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169) [النساء]  وقلنا من الممكن أن تكون هذه الآية

في حق الكفار الأوائل (أبو سفيان وحزبه) لأنهم لم يتسببوا في محاربة النبوة فقط وإنما استمر إفسادهم فيما بعد وانقلبوا على الإسلام وأحالوه ظلماً

وهذا القول كما قلت -هو محتمل من قسم الراجح عندي- وليس من القسم اليقيني،  ثم تساءلنا هل تنطبق الآية على كل من عمل عملهم حتى ولو لم يضل به أحد

هذا يحتاج إلى بحث موسع ولكن دعونا الآن نواصل الآيات الأخرى في ( الخلود الأبدي) وهل من الممكن أن تخص أنواعاً من أهل النار أم هي شاملة لهم؟

الآية الثانية: ( إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا

وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66)

وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ

وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) [الأحزاب]  هذه الآيات من سورة الأحزاب أيضاً  وعلى الراجح أن نزولها بعد الخندق (نحو السنة السادسة هجرية)

الآية ذكرت (الكافرين)  الذين أطاعوا ساداتهم  ومعنى الكفر هو التغطية والجحود وهذا اليوم عام منتشر بين الغلاة فقد يكونون من أؤلئك - حسب الكفر-

فهناك كفر يعلمه صاحبه وهناك كفر عن تقليد، يجد سلفه قد كفر بآيات فكفر بها تبعاً له فهل للصنفين العذاب الأبدي نفسه؟ ظاهر الآيات نعم!

ولكن من هم (الكافرون) الذين كان ينطبق عليهم الكفر ساعة نزول الآيات؟ أليس كفار قريش هم أظهر أؤلئك؟ أليسوا هم الفئة الأولى في الآية السابقة؟

أنا هنا لا أمنع أن تكون الآية عامة لكن أليس هناك من أمل بأن يكون أوائل الطغاة هم المقصودون؟ طغاة قريش ومن تأثر بهم وتابعهم وحرف الإسلام ؟

وأنا أعطيكم دليلاً تعرفونه أن الألفاظ قد تخصص  مثلاً قوله تعالى (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون .. الآيات)  ألم تخبر أنهم لن يؤمنوا؟

هل يصح أن هذه السورة في كل كافر؟ ألا نلاحظ أن بعض الكفار يسلمون؟ أليس الراجح أنها في نوع من الكفار وصلتهم الحجة فكفروا وحرموا الهداية؟

إذاً فسورة الكافرون كأنها خاصة في نوع من الكفار وصلتهم حجة كاملة ووصلهم الإسلام كما أراد الله لأن الاعي لهم نبي وليس أي شيخ فكابروا وحُرموا.

لكن لو أنك عممت سورة الكافرون على كل من ليس مسلماً فكيف تؤمن بها وأنت ترى بعض الكفار يسلم؟ إذاً لابد من غوص على المعنى أكثر ومراعاة المناسبة

نعم من وصلته الحجة من غيرهم وكابر فقد يحرمه الله من الهداية ولا يتمكن من الإسلام  ولكن أن نعممها على كل كافر فهذا مشكل. من هنا تدبروا وغوصوا

بمعنى أن الله  لم يخبر أنه يهدي الكافرين، وإنما قال (لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) ما الفرق بينهما؟ وكيف يهتدي بعض الكافرين؟  الجواب

الجواب: أن على الإنسان الكافر مسؤولية في إزالة الكفر عن نفسه الذي هو الكبر والعناد والجحود والتغطية.. فييسر الله له الهداية مسؤولية مشتركة

بمعنى لن يهيدك الله وأنت متمسك بالعناد والجحود هذا طبيعي فالله غني عن العالمين أما إن تركت الجحود وأقبلت على المعلومة بصدق فسيهديك الله.

هذا جواب أول أما الجواب الثاني فيكمن في معرفة التفريق بين (الكافرين والقوم الكافرين) ما سر كلمة (القوم) هنا؟ لماذا يزيدها الله دائماً؟

هذا له علاقة بالقراءة القصدية التي تؤكد أن كل زيادة - ولو حرف واحد- هو مقصود ويفيد معنىً وليس موضوعاً من باب الإنشائية  وهذا موضوع كبير جدا

على كل حال نرجع للآية: هل تخشى أنت أن تكون من أؤلئك الذين يحرمهم الله من الهداية؟ الجواب: يجب أن تخشى، وأن تتدبر الآية وتتجنب أسباب ذلك

وأول ما يجب أن تتجنبه هو الكفر ( العناد/ الجحود/ تغطية الأدلة المضادة لفكرتك) ثم (ترك اتباع السادة والكبراء) حتى لا تضل بضلالهم فتهلك بهم.

فالكافرون هنا الذين يتوعدهم الله بالنار الأبدية هم المصرون على الكفر  وليس المتلبسين به في وقت من الأوقات، فكل الصحابة كانوا كفاراً قبل.

وعلى هذا تصبح الآية في التخليد الأبدي في هذه الآية خاصة بالمصرين على الكفر، والذين يتبعون قادة الضلال كيفما اتفق، ولا يحبون التدبر ولا البحث

وهناك فرق بين العاجز عن البحث فيقلد من باب حسن الظن وبين من يستطيع ولكنه يعطل نعم الله عليه من عقل وسمع وبصر وهنا يصبح من الكافرين شرعاً

ويصبح من الذين يستحقون العذاب الأبدي لأنه ارتكب جريمة في حق نعم الله  وفي حق نفسه وأفسد غيره وعبد قادة الرأي والفساد والظلم وعاند هدي الله

ويبقى أن نؤكد أن الآية ساعة نزولها كانت تتناول كفار قريش بالدرجة الأولى فهم مع زعيمهم أبو سفيان المصداق الأول لتحقق الآية وهم من في الأذهان

أعني هم كانوا في مقدمة من كان في الأذهان والذهن النبوي أهمها  ثم أذهان صالحي الصحابة ولن يتغير هذا المصداق لتلبسه بذهن النبي على الراجح.

إنما الأتباع هم المشكلة فكفار قريش لهم أتباع إلى اليوم  فقد استطاع الشيطان تسويقهم عبر ثقافة المنافقين بعد الحلف الذي فضحته سورة التوبة.

ثم تأكد تحالفهم مع المنافقين واليهود وهذا موجود في القرآن ثم تم تسويق ثقافتهم عبر بني أمية وكثير من أوائل أهل الحديث والوعظ والعقائد.

وما زال الشيطان يسوق بضاعتهم ويحسنهم ويوسع جمهورهم ويصنع لهم الصنائع  حتى أصبحوا أغلبية في الأمة وقادوها للتخلف والعنت والجهل وحياة الضنك.

ثم شاركهم في الأموال والأولاد ووعدهم الغرور وأقنعهم بصغار الأمور وأجهدهم فيها وجعلهم يقلبون الدين رأساً على عقب حتى أحالوا الإسلام إلى نقمة.

وقد بلغ الشيطان غايته في الانتقام من بني آدم بهؤلاء الدواب الذين ملأ قلوبهم بحب المنافقين والكافرين المتوعدين في الآية حتى أصابهم شبه الجنون

ثم جعلهم ثقوباً سوداء تلتهم جماهير المغفلين ويمددهم عبر الأموال والإعلام والتزيين والتلبيس  وغرهم في دينهم وكانوا أضعف من أن يواجهوه ويفهموه

لذلك نعم من المحتمل أن قادة الضلال وأتباعهم سيكونون من المخلدين لأسباب كبرى من أهمها: الكذب على الله ورسوله ونشرهم أنواع الفساد في الأرض.

لكن هناك كثير من الأتباع الذين اتبعوهم بحسن نية ولم يرتكبوا جرائم فعسى هؤلاء أن يتداركهم الله برحمة منه وفضل وإلا فالتلبيس أكبر من قدراتهم.

وهناك آية ثالثة تفيد الخلود الأبدي فهل هي مخصصة ببعض أهل النار أي هي عامة في كل من دخل النار؟ وهي قوله تعالى في سورة طه آية 74

(إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) [طه]  يجب البحث عن الإجرام في القرآن.

والإجرام في القرآن هو ضد الإسلام نفسه (أفنجعل المسلمين كالمجرمين) فالإسلام كما شرحناه سابقاً موسعاً وهو:( إقبال ثم تسليم ثم عمل الصالحات)

وعلى هذا يكون الإجرام على الضد أي (أعراض ثم كفر ثم عمل الموبقات) وأبلغ مجرم ذلك من دعم جرائمه بدين الله (ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً)

وهذه المرحلة النهائية من الإجرام تعب الشيطان حتى أقنع بها كثير من بني آدم، وهو يحرص على أتباع آخر ديانة أكثر من غيرهم، لأنها الطبعة الأخيرة.

لا تظنوا أن الشيطان لم يبذل تعباً حتى أقنع كثيراً من أمة محمد بأن  قتل الأبرياء دين وأن الكذب دين وأن الظلم دين وأن الكبر دين وأن الحقد دين!

واضح أن الشيطان بذل جهوداً جبارة حتى أوصل كثيراً من المسلمين إلى هذه الدرجة وبدأ للتخطيط لذلك من بدء الوحي فبذر بذرته ووسع جمهوره مع الوقت.

ولم يكد النبي يرحل عن هذه الأمة حتى نزل العزاء الإلهي له في سورة المائدة الوداعية (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر..)!

آمل أن تسمعوا هذه المواد عن سورة المائدة قد تكتشفوا الحقيقة المرة!

و

و

ابحثوا أول الضلال متى كان فقد يكون أوله واضحاً وتاليه مشتبهاً (تدوير الشيطان خادع) لا تبحثوا واقعكم  ابحثوا جذوركم، فقد أنارها القرآن.

 


  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=515
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 02 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29