من الأفضل أن نترك القرآن يتحدث.. ثم النبي يتحدث.. ونحن نستنبط فقط.
فلنبدأ بالقرآن الكريم.
الآية الأولى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواإِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)) [الحجرات : 13]
في الآية:
1- خطاب لكل الناس وليس للمسلمين.
2- وهؤلاء الناس هم كل بني آدم المخلوقين من ذكر وأنثى.
3- وهم كل الشعوب والقبائل.
من أكرم الناس عند الله من هذا كله؟؟
هم المتقون.
فمن هم؟
الجواب من القرآن نفسه
(وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)) [الزمر : 33]
وهذه الصفة هي ألصق بمن؟
قد يقول البعض" لكن هذا التعريف القرآني للتقوى يريد به الإسلام".
نقول: لا تستعجلوا، فسنعرف تعريف الإسلام من القرآن، اتركوا للقرآن فرصة يعلمكم.
الآيتان السابقتان تفيد أن :
1- أكرم الناس عند الله، المخلوقين من ذكر وأنثى ، هم المتقون.
2- والمتقون هم الذين يأتون بالصدق ويصدّقون بالصدق.
بهذا لم نضف على القرآن حرفاً ولم ننقص.. ولو كان في الأمر سعة لتوسعت في كل آيات التقوى، فهي تتركز على (كف الأذى مع الإحسان) صاحب الصدق الذي يأتي بالصدق ويصدق بالصدق - إذا جاءه - يكون متقياً وكافاً لأذاه ومحسناً، فالإحسان دائرة داخل دائرة التقوى، كالنواة في الذرة، ولذلك يقترنان في القرآن كثيراً..
(إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون).. ( ثم اتقوا وأحسنوا).. الخ
والتقوى له ست تعريفات ينوب بعضها عن بعض، ومن مفسرات التقوى الآية المشهورة
( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).. فالتقوى ضد العدوان، وبضدها تتميز الأشياء.
والخلاصة حتى الآن في هذه الآيات أن الذين لا يؤذون ولا يعتدون هم متقون - سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين - فهل سيصمد هذا المعنى أم لا؟
سنرى..
والتقوى هي رسالة الأنبياء جميعاً، كما في الآيات:
1- إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ [الشعراء : 106]
2- إِذْ قَال لَهُمْ أَخُوهمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ [الشعراء : 124]
3- إِذْ قَال لَهمْ أَخُوهمْ صالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ [الشعراء : 142]
4- إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ [الشعراء : 161]
5- إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ [الشعراء : 177]
وهكذا في كل الأنبياء، يأمرونهم بالتقوى، هذه هي الدعوة الجامعة ... وسنثبت أن الإيمان بالله واليوم الآخر لأجل التقوى أيضاً، وهذا من عالمية القرآن التي تناساها التاريخ والسلطة والمعارضة، فسبب إرسال الأنبياء هو هذا.. هو أن تكف أذاك وتحسن وتصدق وتعدل، وإلا فالله غني.
لاحظوا الآية :
(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ(25)) [سورة ألحديد]ٍ
إذاً هذه هي العلة ... إرسال الرسل وإنزال الكتب ليقوم (الناس) بالقسط..
لاحظوا (الناس) ولم يقل (المؤمنون)،
فالرسالة عالمية لغايات عالمية،
والناس مفتاح من مفاتيح عالمية القرآن،
فالغاية الأساسية هي التقوى والعدل والبر والإحسان والعقل والضمير وإكرام اليتيم والحظ على طعام المسكين..
هذه الغايات الأساسية يشرع الله لها ما يدعهما ويعينها من الإيمان بالله واليوم الآخر والصلاة والصوم والحج ..الخ،
وليس الأمر عكسياً .
الله شرع الصلاة لماذا؟
هل شرعها له أم لك؟
هل شرعها لأنه يريدها أو لأنك تحتاجها؟
الجواب في القرآن فاسمعوه..
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ(13)) [سورة الشورى]!
إذاً فالله شرع لك لا له.. لتستعين بهذه الشرائع أنت، وإلا فهو الغني عن العالمين..
شرع لك لتستعين بها على ماذا؟
على تلك الغايات العالمية. الغايات التي يتفق معك أنت أيها المسلم وكل العالم.. العدل / الصدق/ البر/ التقوى =وهو كف الأذى مع الإحسان/ التفكر/ العقل / .. وهي غايات القرآن.
الشيطان قلب المسألة رأساً على عقب، جعل الله - في عقل المسلم وقلبه - وكأنه هو يريد من الناس أن يمدحوه ويعبدوه، وليس لأن هذه وسيلة إلى غايات أكبر، وبهذا يكون هدف المسلم من الصلاة هو إعطاء الله حقه!..هكذا!
كلا.. الصلاة لك أنت لتنهاك عن الفحشاء والمنكر ولتتذكر بها الله (وأقم الصلاة لذكري)، وذكر الله هو تذكر الله، وهو غاية من الغايات الكبرى (لعلكم تذكرون/ لعلكم تتذكرون).
ولماذا يجب أن تتذكر الله؟
حتى تحقق التقوى والعدل.. فمن كان الله في قلبه لم يظلم ولم يغش ولم يكذب ولم يفحش ولم ولم..