قوله تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا).
قوله تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا).
هناك دقائق في النفس الإنسانية لا يستطيع كشفها غير القرآن الكريم؛ والقرآن حي لم يمت؛ والحالات التي ينبه عليها القرآن حية لم تمت أيضاً!
السبل إلى الله كثيرة؛ لا يعرفها الكسالى والمبلّدون؛ لا تطيعوهم في قطع أكثر السبل؛ إذا عجزوا فلا تعجزوا؛ احذروا من عبادة الكراهية؛ بعض المشاركات أرى فيها عبادة الكراهية بدرجة مذهلة؛ تذكرني بموقفين فيهما عبرة لغير هؤلاء؛ الموقفان ذكرهما الله.
الموقف الأول: موقف إبليس؛ فقد فضّل كراهيته لآدم وحسده له على النعيم الأبدي؛ كأنه يقول: "مرحباً بجهنم ولا جنة مع آدم"! وهذا لسان حال هؤلاء.
الموقف الثاني: صنف من الناس في عهد النبي؛ فضّلوا العذاب في الدنيا والآخرة على الحق؛ ودعوا الله على أنفسهم بالهلاك:
(وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) [سورة الأنفال]
هذان الموقفان يعبدان الكراهية والخصومة والحسد؛ ولهذين الموقفين نظائر نراها كل يوم في مشاركات الحمقى والمغفلين؛ يعترضون على أي شيء؛ هذه عقوبة!
من عقوبة الله وعدله أنه يعمي هؤلاء عن أي شيء جميل؛ حتى في ساعات تنزل الرحمة؛ كالمطر؛ لا يشاركونك الفرح بالرحمة؛ مشغولون بصنم اسمه الكراهية!
أنا أحمد الله عز وجل على أن نجاني من هذه المشاعر الخبيثة؛ من نجا منها فهو في نعمة عظمى؛ وخاصة من نجا منها وهي تحيط به من كل مكان؛ حمداً لك ربي.
تخيل أنك تناول الآخر زهرة؛ ثم يبغضها ويبغضك ويدقها بالاحجار؛ وتجده متعرقاً مهلوساً وهو يلعنها ويلعنك!
ههههه
أليس نجاتك من هذه المشاعر نعمة؟! وفي الأخير ستجد هذا العابد للكراهية وبشراهة وتدين؛ هو نتيجة صغيرة لشيطان أو منافق!
بمعنى؛ لا يستاهل الشيطان ولا المنافق هذا التعب والعنت؛ لو أنه يتعب نفسه في عبادة نبي أو ولي أو أحد الملائكة لأمكن أن يقال غلبته الروحانية فوصل لدرجة التخريف؛ لكن أبداً؛ كل هذا التعب لمحبة منافق!
الشيطان لا يرحم عبدته ولا عبدة أوليائه؛ هو يتعبهم أكثر مما تتصورون؛ وهذا وعد الله لهؤلاء - محاربي الأزهار والأمطار- !!
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) [سورة طه]
شراهتهم في عبادة (العداوة والبغضاء) شاقة جداً على أنفسهم؛ لكنهم لا يشعرون بهذا الشقاء؛ ولا تهدأ نفوسهم إلا به؛ إنه المرض الشيطاني - أجاركم الله .
إذا رأيتَ هؤلاء؛ أصحاب المعيشة الضنك؛ الذين لا يرون جمالاً؛ ولا يهدأ لهم بال إلا بشتيمة أو كراهية؛ فابتسم واحمد الله على سلامة قلبك وسعة أفقك.
إذا رأيت العمي عن كل آية؛ الصم عن كل حجة؛ البكم عن كل جملة؛ المصروفون عن كل جمال؛ فتذكر عدل الله فيهم؛ واقرأ الآية:
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44) [سورة يونس]
الثقافة النفاقية وقافة عند المنافق؛ ليس عندها جديد ولا سعة أفق؛ ولا تطمئن لفكرة إلا إذا علمت أن صاحبها يعبد ذلك المنافق! تلف وتدور حوله فقط؛ انظروا هذا الشرط المشترك بين المشرك والمنافق؛ ذكر الله وحده يؤذيهم ويقسي قلوبهم؛ أتعرفون لماذا؟!
(وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45) [سورة الزمر]
الجواب واضح؛ هم يدورون حول ذلك المعبود الآخر؛ الذي (من دونه)؛ وكلمة من دونه لا تعني (أدنى) المكانية؛ إنما الغيرية؛ يكون في غير صراط الله ونهجه؛ ولذلك؛ إذا ذكرت النبي؛ مثلاً؛ مع الله لا تنطبق عليك الآية؛ لأن النبي ليس من هؤلاء الذين (من دونه)؛ فهو في صراط الله ونهجه؛ ليس من أصحاب الغيرية؛ ولذلك المحب للنبي؛ لا يشمئز قلبه إذا أنت ذكرت الله وحده بأن له الأمر والنهي وهو من يختار لك؛ الخ؛ إنما المنافق والمشرك يخاف من هذه المقدمة!
المنافق يحب أن تقول: الأمر لله ولرسوله وللصحابة وللعلماء وللسلف الخ؛ دائرة واسعة يجد فيها (ما دون الله) ممن ليس في صراطه؛ وبهذا يستبشر ويرتاح؛ أما المؤمن؛ فإذا ذكرت الله وحده اطمئن واكتفى؛ لأنه يعرف أن النبي لن يخالف القرآن؛ وأن كل حديث يخالف القرآن فمصدره (الذين من دونه)؛ وليس النبي ص ؛ لذلك؛ المنافق والمشرك يتخوف من المقدمات؛ مثل: أن الأمر لله وحده! - هذه العبارة تقلقه كثيراً؛ لأنه لا يدري؛ أأنت ترى لفلان وفلان نصيباً أم لا ؟!!!!
المنافق والمشرك يشترطون على الله ضم آلهتهم للتشريع؛ وأن يرتضيهم الله معه حتى يؤمنوا؛ وإلا فالكفر هو الحل!
هذا هو السر:
(ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ۚ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) [سورة غافر]
هناك دقائق في النفس الإنسانية لا يستطيع كشفها غير القرآن الكريم؛ والقرآن حي لم يمت؛ والحالات التي ينبه عليها القرآن حية لم تمت أيضاً!
سبب الجهل بهذه الدقائق هي ثقافة النفاق نفسها؛ هي لا تريدك أن تكتشف نفاقك؛ تريدك أن تتحامق أمام هذه الدقائق وتصدف عنها وتهملها؛ فإنها لا تضرك! وإذا شعرت ثقافة النفاق أنك قد تقف أمام مثل الآيات السابقة؛ فهي تستبق كشفك؛ بأن تخبرك هي أن المراد ب (من دونه) الانبياء وليس المنافقين! وبهذا توقعك الثقافة النفاقية في ورطة جديدة! إذ تقوم بفصلك شعورياً عن النبي وأولياء الله؛ لتبقى جافاً تجاههم؛ تخاف من أن تعبدهم لأنهم (دون)! وسر هذا الالتفاف النفاقي هي كلمة (دون) إذ فسرتها لك الثقافة النفاقية بأن المراد بها (أدنى) وليس ( غير)! وأنت الله يهديك مستعجل تبغى الفائدة؛ الشيطان يدفع أصحاب الثقافة النفاقية للتشويش؛ فمرة ينبهونك على خطأ طباعي؛ ومرة يسخرون؛ ومرة يتهمون؛ المهم عند الشيطان ألا تفهم الفكرة؛ لأنها خطيرة؛ كل فكرة تصيب الشيطان وثقافته؛ أو النفاق وثقافته؛ في مقتل؛ فانتظر التشتيت والتحذلق والتشويش؛ طبيعي جداً؛ وهذه من الاسرار؛ فاحفظها وراقب!
الله والرسول = لا تتطبق عليها (من دونه)؛ لأن الرسول في منهج الله؛ الذي يسير في منهج الله = لا تنطبق عليه من دونه؛ الله والرمز المنافق = تنطبق!
لو تأمل المتأثر بثقافة النفاق هذه الآية؛ لعرف أن المراد ب (دون الله) المنافقون ورموز الشرك؛ لا الانبياء ولا الصالحون!
(إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) [سورة الأنبياء]