رحلة السراة - زهران وغامد (4)
رحلة السراة - زهران وغامد (4)
كم من أشراف في تاريخنا دفعوا ثمن مبائدهم وشرفهم؛ فتم أهمال تراجمهم أو تشويه سيرتهم العطرة. وكم من ظالمين مجرمين رفع الناس من ذكرهم وأحبوهم؛ المؤرخ دوره هنا؛ في التصحيح، في اكتشاف الاستغفال، وليس في متابعة الظالمين في تشويه الصالحين والافتخار بالمجرمين.
هذه رسالة..
كن حراً أميناً.
في يوم الاثنين ١٣ من شوال؛ كان جولتي على بلاد الحكمان من زهران؛ وخاصة حصن زهوان وما حوله؛ ثم الى جدة.
الحكمان من بني جندب من زهران هم قوم رفيقي أبي محسن؛ فكان لي معه جولة على عدة أماكن؛ أشهرها حصن زهران؛ ويمثل قاعدتهم. وفي الحصن نقوش قديمة؛ لعل بعضها قبل الإسلام؛ ليس لأن الحصن قبل الإسلام؛ وإنما لنقل حجارته من بيوت أو حصون خربة أخرى.

تاريخ السراة في آثارها.. نماذج من النقوش في بعض حجارة حصن زهوان ببلاد الحكمان:


والحصن ربما له مئتان أو ثلاث من السنين؛ ولكن النقش أقدم بكثير؛ ويحيط بحصن زهوان خربات كثيرة مهدمة قديمة؛ تم نقل الحجارة منها كما هو متوقع؛ ومثل هذه الخربات متنشرة عبر السروات كلها؛ ولا يلتفت إليها أحد..
صورتان للحصن ومدخله؛ والمدخل يبدو عليه الضيق والعظمة معاً:


وصورة ثالثة عند صخرة عجيبة على شكل حيوان فاتح فمه...

وأقول لأبناء السروات: قوموا أنتم بقراءة تاريخكم - أرضاً وإنساناً - من الكشف عن آثار السروات وقراءتها؛ لا تنتظروا هيئة الآثار ولا غيرها؛ فمعكم المؤرخون والآثاريون والأصدقاء ورجال الأعمال الذين يستطيعون التعاون في كشف هذه الكنوز الآثارية التي ستكشف للعمق التاريخي لابن السراة..
لو كانت السراة في أوروبا أو مصر أو العراق؛ لكانت مصدر إلهام لعلماء الآثار في العالم كله؛ اهتموا بهذه الآثار وحافظوا عليها؛ ففيها سر التاريخ.
صورة لقبر خالد (كان يصلح بينهم؛ وكان فوق قبره قبة من المرو؛ وقد خربتها الوهابية):

والصورة الثانية عامَّة للبلاد:

انطلقنا ظهراً من بلاد الحكمان من آل جندب بزهران؛ وكانت غامد معنا شرقاً؛ فغامد تحيط بزهران من الجنوب والشرق والشمال؛ كإحاطة الأوس بالخزرج؛ وزرنا العم محسن الغامدي ببادية غامد شمالاً- وهو رجل ثمانيني - استمتعنا بسماع أخبار جيله وأحوالهم؛ وهذه صورة لنا معه:

وقد حكى لنا العم محسن حكاية عجيبة؛ عن حيوان غريب؛ يسمونه (الذئب الخرش)؛ وتسميه زهران (الكلب الخرش)؛ وقد افترس أخاه الأكبر وهو كبير بلحيته.
هذا الكلب الخرش في صورة الكلب؛ لكنه عظيم الخلقة؛ يفترس الناس في طريقه؛ افترس امرأة في بني الحارث؛ ثم افترس أخا العم محسن؛ ثم صبي بزهران؛ وقد أرخ الناس بظهوره؛ فيقولون (سنة الذئب الخرش)؛ وقد رجحت - من الأخبار- أنه ظهر حوالي عام ١٣٦٠ هجرية؛ وقد قتلوه وعلقوه بشجرة؛ فكان على طولها!
للعم محسن الغامدي مزرعة كبيرة؛ وإبل وأغنام؛ وقد تجولنا مع ابنائه وأحفاده فيها؛ وكان معنا ابنه عواض واحفاده..
الصور:



ثم انطلقنا؛ بعد بادية غامد بشرق بلحارث وبعتيبة؛ ثم البقوم ثم بلاد الأشراف (ال الفعر) الى الطائف؛ وصلنا مغرباً؛ ثم انحدرنا إلى مكة ثم جدة. وحكى لي أبو محسن في الطريق عن معركة (بسل) بين الشيخ بخروش والأتراك.. ومررنا بوادي الموجان (وفيه كانت معركة بلحارث مع عتيبة = قصة سلوم)؛ وايضاً أسطورة الغامديات الثلاث التي قيل أنهن تحولن إلى جبال ثلاثة؛ ومكان خيل أبو زيد الهلالي. كل هذا جنوب الطائف؛ وقصة غالية البقمية الخ
صورة حصن زهوان من بعيد:

صورة للكلب الخرش (تقريبية متوقعة):

صورة الاسطورة: الغامديات الثلاث اللاتي تحولن لجبال:

وأخيراً؛ أكرر شكري للاخوة الداعين والمستضيفين والمتجولين معي؛ وأكرر اعتذاري لقصر الزيارة؛ ولكن؛ بإذن الله لي رحلات أخرى أغطي فيها ما قصرت عنه؛ فأنا أعرف أن عنوان هذه التغريدات لم تفِ إلا بحوالي ١٥ ٪ من بلاد زهران؛ و٢٪ من بلاد غامد؛ فكيف ببقية السراة؟ فالسراة تحتاج لشهور عدة.
نبذة عن كبير الأزد أيام النبوة والخلافة الأولى (مخنف بن سليم الغامدي) - كان كالطفيل بن عمرو الزهراني سبقاً وفضلاً -
لمطالعة " نبذة عن كبير الأزد أيام النبوة والخلافة الأولى (مخنف بن سليم الأزدي الغامدي)" على هذا اللرابط «««
كل رجال الأزد الصالحين - وهم كثرة - تعرضوا لتعتيم شديد؛ كمخنف بن سليم؛ مع قدم إسلامه؛ وكل من وقف مع الفئة الباغية تعرضوا لنفخ شديد؛ مع تأخر إسلامه. بل؛ حتى أهل بدر؛ تعرضوا لتعتيم شديد؛ حتى قال أهل الحديث عن بعضهم - أعرابي مجهول!! بينما اشتهر من كان مع بني أمية من الطلقاء والأعراب والمرتشين!
تاريخنا مقلوب في معظمه، والمنتصر لا يكتب التاريخ فقط؛ بل يكتب التاريخ والجغرافيا والحديث والفقه والعقائد والخط والإملاء ...الخ؛ ولابد من تصحيح.
لذلك؛ معظم الناس اليوم - ومنهم الأزد - لا يعلمون شيئاً عن هذا الصحابي؛ مخنف بن سليم الغامدي؛ مع كل فضله وسيادته وشرفه؛ لكنهم يعرفون سفيان بن عوف!
السلطات الظالمة عبر التاريخ ترفع من الأشرار الأنذال إذا تابعوها على الباطل؛ وتضع من الأشراف الأبطال إذا خالفوها؛ وواجبنا التصحيح لا التقليد.
كم من أشراف في تاريخنا دفعوا ثمن مبائدهم وشرفهم؛ فتم أهمال تراجمهم أو تشويه سيرتهم العطرة. وكم من ظالمين مجرمين رفع الناس من ذكرهم وأحبوهم؛ المؤرخ دوره هنا؛ في التصحيح، في اكتشاف الاستغفال، وليس في متابعة الظالمين في تشويه الصالحين والافتخار بالمجرمين.
هذه رسالة..
كن حراً أميناً.