الرد على الشريف حاتم العوني في معاوية
الشيخ الشريف حاتم العوني رجل باحث عاقل، متخصص في الحديث وعلومه،هو عضو مجلس الشوري،وأنا على المستوى الشخصي أحترم هذا الرجل، وهو من معتدلي السلفية، إلا أن هذا لا يمنع من تعقبه والحوار معه والرد عليه إذا أخطأ،وله كلام في معاوية نشره على صفحته في الفايسبوك أصاب في بعضه وأخطأ في البعض الآخر.أما ما أصاب فيه فهو نفي أن يكون معاوية خال المؤمنين وأن هذا الوصف من غلو أتباع فيه وأن الصحابة لا يكون الدفاع عنهم باختراع فضائل لهم.. الخ ....
ومن أقواله التي نسجلها له قوله - بتصرف واختصار- :
1- وصف معاوية بأنه خال المؤمنين لم يصفه به نص من الوحي .. وأن النبي (ص) تزوج أم حبيبية ومعاويةوأبوه كافران فلم يزوجاه، وأن أمهات المؤمنين معهن عشرات الأخوة ولم يطلق أحد عليهم أخوال المؤمنين.. ونقل أقوال العلماء وأطال الشيخ في هذا وشبه هذا الاختراع للفضائل بالمحدثات والبدع، وقد أحسن ( وقد حذفت ترضيته على معاوية)
2- ذكر تناقض أتباع معاوية في عدة أمور.
3- وتحريفهم لبعض المخطوطات من أجل معاوية ومحاسن ما كتبه الشيخ لا ننكره ونشكره عليه..
4- وأنهم يخشون الغلو ضد معاوية ولا يخشون الغلو فيه!
وغير ذلك من محاسن ما كتب الشيخ وفقه الله.. لمزيد من الاعتدال،فالاعتدال كل الاعتدال هو البراءة من الظالمين دعاة النار..وتعظيم النصوص في القلوب،فما أهلك بني إسرائيل إلا لأنهم أخذوا ما آتاهم الله بضعف،وخالفوا وصية الله ( خذوا ما آتيناكم بقوة) إلا أنه لا بد من الجواب على ما أخطأ فيه و نرى أنه جانب فيه الصواب وسيأتي.
الملحوظة الأولى:
ما ذكره الشريف العوني بأن ( معاوية صحابي بإجماع أهل السنة وjن عدالته ثابتة! ) وهذا القول من الشريف حاتم فيه مصادرة للنصوص واتباع للمذهب،والشريف يعرف كم في هجر النصوص من خطر على العقيدة والتاريخ والحديث ، وبغض النظر عن ( هذا الإجماع ) الذي ذكره،فلو افترضنا ذلك فأهل السنة مذهب من بين مذاهب،وقد يكون فيالمذهب الحق والباطل، مادمنا متفقين على أن الإسلام بعظمته وقرآنه وشموله لا يمكن ضغطه في مذهب من المذاهب،فقد يجد الشيخ أن أهل السنة قد أجمعوا على أن الأرض مسطحة مثلاًـ، أو أن الكيمياء حرام .. الخ... فهل يكون إجماعهم حجة على النصوصوعلى الواقع؟! هذا أمر.
الأمر الثاني:
أن الشيخ نسي أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومن معه من أهل بدر والرضوان هم من أهل السنة أيضاً،بل هم قادة أهل السنة في ذلك الزمان،وأنهم كانوا على ذم معاوية وتفسيقه،ولا أقول إنه يجهل نصوصهم،ولكن لعله لم يبحث أقوالهم وآراءهم ,وفاته البحث في هذا الأمر وكيف أن عمار بن ياسر ( وكان علماً لأصحاب رسول الله يوم صفين يقول ( والله ما أسلم هؤلاء - يقصد رؤوس أهل الشام كمعاوية - ولكن استسلموا حتى وجدوا على الحق أعوانا) وكذلك كان يقول إمامه علي بن أبي طالب، هذا الرجل الذي أضاعه حتى أحفاده! ولو بحث الشريف في التابعين وأتباعهم إلى شيوخ البخاري ومسلم , لوجد من أهل السنة من كان على خط هل بدر في ذم معاوية وتفسيقه وربما تكفيره. فالشريف وقع في خطئين هنا ...
الأول: إهماله للنصوص التي تجعل معاوية رأس البغاة ودعاة النار في زمنه وغيرها..
والثاني:أنه من حيث لا يقصد أخرج جده الإمام علي ومن معه من أهل بدر والرضوان وصالحي التابعين أخرجهم من أهل السنة!
ولذلك ندعوه لمراجعة هذين الخطئين وبقوة!!
الملحوظة الثانية:
أن الشريف وفقه الله لحق احتج على من يذم معاوية وينفي عدالته بأن أهل الحديث - الذين نستفيد من رواياتهم الأحاديث في ذم معاوية- لم يفسقوا معاوية ما زالوا يروون عنه ويقبلون حديثه ..الخ ..وهذا أكبر حجة احتج بها الشريف وتحمس لها , وقال ما نصه ( هل أنتم أعلم بهذه الروايات - يعني الأحاديث ونحوها في ذم معاوية- من أصحاب الصحاح والسنن ..الخ) .
وهذا عليه عدة إجابات:
الأولى:
أن بعض رواة هذه الأحاديث كانوا يطعنون في معاوية كعبيد الله بن موسى شيخ البخاري وعبد الرزاق شيخ أحمد والحماني وعباد بن يعقوب ومحمد بن فضيل بن غزوان والأعمش وغيرهم..وليس بالضرورة أن يقول لنا الراوي ما معنى ( معاوية يدعوهم إلى النار) وما معنى ( يبدل سنتي) حتى نعرف هل هذه مثلبة مزيلة للعدالة أم منقبة مثبتة لها!
ثانياً:
أظن الشريف العوني وفقه الله يعرف أن مجرد رواية أحاديث رواها معاوية في باب من الأبواب لا يقتضي الرضا بسيرته أو القول بعدالته، وإذا لم يطن يعرف فنذكر له أمثلة يسيرة , فهذا محمد بن إسماعيل الصنعاني مثلاً له كتاب سبل السلام فيه أحاديث لمعاوية , بينما هو يفسق معاوية كما في ثمرات النظر وفي شعره المعروف الذي يقول فيه لقد نسب الأنام إلي قولاً.... عليهم ربنا فيه شهيد..وقالوا قد رضينا بابن هند .... وقلنا إنه رجل رشيد!
كذبتم إنه والله عندي.... لفسيق وشيطان مريد! وملعون بما كسبت يداه .. كذلك نجله الطاغي يزيد!..فهل نقل الصنعاني لأحاديث رواها معاوية في أحكام فرعية وتندرج تحت اصل عام هل هذا يعني هذا أنه يقول بعدالة معاوية؟
وهل كل أهل الحديث يقولون بعدالة الرواة الذين ينتقون من أحاديثهم؟والشواهد ف رد هذه الشبهة كثيرة.
مثال آخر :
هاهم الزيدية مجمعون على تفسيق معاوية وبعضهم يكفره ولكن أحاديث معاوية في كتبهم كالاعتصام والبحر الزخار وغيرهما.
ثم لعل الشريف وفقه الله قلد قسماً من أهل الحديث، - هذا القسم كان أقلية في الماضي وأصبح أكثرية في أواسط القرن الثالث لظروف سياسية ومذهبية- هذا القسم بالغ في عدالة كل الصحابة نظرياً , وإن كان - هو وسلفه- قد أهملوا أحاديث بعض الصحابةشكاً بعدالتهم أو طعناً فيها سواء اصابوا أو أخطاوا , بل بعضهم ترك عمداً أحاديث بعض أهل بدر وضعفهم! فأهل الحديث م يكونوا على عقيدة واحدة خلال القرون الثلاة الأولى،بل ليسوا على عقيدة واحدة إلى اليوم. فمنهم من يفسق قاتل عمار وذي الخويصرة ومعاوية وبسر وأبي الأعور ومسرف بن عقبة ومعتب بن قشير ( وهو بدري) وعبد الله بن أبي ( وقد شهد الرضوان) ومدلاج بن عمرو السلمي ( وهو بدري لكنه كان من أنصار علي)! وأبا الطفيل (آخر الصحابة موتاً) ..
وهكذا ..
فقد ذكرت هنا أخلاطاً من الصحابة فيهم الصالحين المظلومين وفيهم المتوقف فيهم وفيهم الظلمة الفسقة.. وأهل الحديث منهم من ضعف البدري كما فعل أبو حاتم مع مدلاج بن عمرو ( البدري الصالح) , ومنهم من وثق الباغي داعية النار في القرن الأول كما فعلوا مع معاوية والذين سكتوا ربما سكتوا لأثر سياسي ومذهبي أكثر من كونه رأياً علميا.. والشريق يجب أن ينتقل إلى ما أهمله أهل الحديث من إغفالهم الأثر السياسي والمذهبي في الجرح والتعديل وانتقاء الحديث وبتره وربما الزيادة فيه , وهذه الأعمال يعقلونها في أهل الحديث القرون اللاحقة ولا يعقلونها في القرن الأول
وهذا تناقض , فأهل الحديث يتهم بعهم بعضاً إلى اليوم بأنهم ضعفوا للمذهب ووثقوا للمذهب وانتقوا وبتروا ..الخ .
وانظروا هذ المعارك بين الألباني والأعظمي كمثال وبين الغماريين وخصومهم وبين الكوثري وخصومه..الخ ... فليأخذ الشريف من أهل الحديث ما اصابوا فيه وهو الكثير الطيب , وليجتنب ما لحقهم من أثر سياسي ومذهبي وخصومي , ساء تلك الخصومة مع الشيعة أو أهل الرأي أو المعتزلة..
وآمل من الشريف أن يكون صدره واسعاً لهذه الملحوظات..
فهي على الأقل تتمسك بطرف آخر من سنة النبي (ص) ومنهج أهل بدر، وخاصة كبارهم كالإمام علي.
والسلام عليكم.
إأكرر أن الشريف حاتم العوني طالب علم وباحث قدير، وله احترام واسع داخل التيارات كلها للغته العلمية وسعة أفقه، ولكن الخلاف لا يفسد للود قضية.