دور العلماء في مسألة العصمة
تحدثنا في المقال السابق عن فريقي «السنة والشيعة» في مسألة العصمة، وأن كليهما يريان العصمة، فريق يراها في الأنبياء، وفريق يراها في الأنبياء وأئمة أهل البيت، هذا هو الشائع العام، وإن كان قليل من الشيعة كالصدوق (يخالف الشيعة) وقليل من أهل السنة (كبعض السلفية) يخالف السنة، علماً بأن الحد الأدنى من العصمة بمعنى الصدق في التبليغ واجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر محل إجماع، بين سائر الطوائف، إلا من شذ ممن جوز على الأنبياء ارتكاب الكبائر، وهؤلاء منقرضون تقريباً.وأنا هنا لست متبنياً لأي مذهب، إنما أرى أن الأقليات من السنة والشيعة في هذه المسألة هم أقرب إلى النص والعقل، ولعله لولا الخصومات المذهبية والمزايدات لكانت هذه الأقليات (السنية الشيعية) أكثر شهرة، والله أعلم. والخصومات تؤدي إلى تبني الرأي المتطرف، وهجر الرأي الأقرب إلى التوافق مع الطرف الآخر، وللعامة توق للتشدد، وتحب المتشدد، لأن الإيمان العامي ليس فيه سعة، هو إيمان قوي، ولكنه على حد السيف، لا أسئلة ولا ترتيب لمستويات الفكرة، وهذا ما جعل الأفكار والعقائد الإسلامية المذهبية عقائد صماء تنطلق كالسهم وتخترق القلوب والعقول، بينما إيمان أقل مع تساؤل وبحث أفضل من إيمان قوي بلا بحث ولا تساؤل. إن العامة هم أمانة في أعناق السنة والشيعة، فلا يجوز حملهم على العقائد الصماء المذهبية، وإنما يتم تفهيمهم أن الفكرة الفلانية فيها مستويات، المستوى الأدنى والأعلى والمتوسط، مثل «عدالة الصحابة عند السنة» و«عصمة أهل البيت عند الشيعة» وعصمة الأنبياء «عند السنة والشيعة». فواجب السني في قضية «عدالة الصحابة» حتى لو كان مؤمناً بها أن يقول للعامة، هناك فرق بين المخالف في عدالة جميع الصحابة، ومخالف في عدالة بعض الصحابة، ثم هناك فرق آخر بين من خالف في عدالة أحد السابقين المعروفين بالصلاح، وعدالة بعض المتأخرين المشهور عنهم البغي والظلم، فهذا التفصيل يخفف على العامي السني، ويجعله يبحث ويفرق بين أمر وأمر. وكذلك في موضوع عصمة أهل البيت عند الشيعة، لو أن العلماء من الشيعة يقولون، هناك خلاف قديم «شيعي شيعي» في مستوى هذه العصمة، وأن بعض الشيعة كانوا لا يرون في السهو والنسيان والصغائر المرجوع عنها، مانعة من إطلاق العصمة، لأن العصمة لا تتأثر ببشرية الإمام، وعظمة الإمام إنما تأتي من تقواه مع إمكانية المعاصي.. وبهذا يتم تخفيف الاحتقان الفكري. وكذلك أهل السنة في ما يخص الرسل.. والخلاصة هنا: أن على العلماء، أن يفصلوا للعامة أن الأفكار الصماء هذه فيها سعة، وليست على مستوى واحد، كما يعرضها المتخاصمون، بل ليس أهل المذهب الواحد
على رأي واحد فيها، فلو تم هذا فهذا سيخفف الاحتقان المذهبي، ويجعل هناك سعة للباحثين والقناعات الفردية، ولا يتم اتهام من له رأي خاص - بناه على دليل يراه - بأنه لا يعرف قدر الأنبياء، أو أنه ينتقص أهل البيت. وسنواصل في الحلقات المقبلة هذا الموضوع.