موبقات منسية!
إذا مات أحد من الجوع في افريقيا أو بنجلادش أو الهند.. الخ، فلا تظن أنه لا تلحقك نسبة ما من إثم موته جوعاً، لأنك لم تحض يوماً على طعام المسكين، فإذا كنت البسيط العادي تلحقك نسبة من موت أي ميت من جوع أو يتيم معدم؛ فكيف بالقادرين على التأثير (من سلطات وفقهاء ورجال إعلام وباحثين)!؟مواضيع اخرى:
أيها التجار.. من ذمتي لذمتكم.. (المقالات اسبوعيه - جريدة الكويتية)
من ذمتي لذمتكم .. الزكاة القرآنية غير الزكاة المذهبية والسلطانية (لمقالات الاسبوعيه - جريدة الكويتيه)
من ذمة (أبي ذر) لذمتكم.. (الكنز) من كبائر الذنوب!
التاريخ بسلطاته ووعاظه وتراثه أهمل (موبقات) ذكرها القرآن الكريم وجعلها من أعظم الذنوب؛ وهي على البشر جميعاً؛ سأذكر مثالاً..
المثال هو:
عدم الحض على الإطعام؛ فهذه (موبقة) بمعيار القرآن؛ قرنها الله بذنب الكفر بالله؛ بل جعلها القرينة الوحيدة:
( إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35)) [ألحاقه]
فترك الحض على طعام المسكين تساوي عند الله الكفر بالله،
وهي واجبة على كل مكلف؛ وأكثر الناس يظنون أنها خاصة بالفقهاء والتجار؛ وهذا جهل مبين.. ترك الحض على طعام المسكين هو تكذيب بالدين، فهذا تعريف الله للتكذيب بالدين، وأكثر الناس لا يعتمدون هذا التعريف!
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ(3)) [الماعون]
الحض على طعام المسكين له حضور نوعي في القرآن، وهذا موضع ثالث يبين أن هذا من أسس الإسلام القرآني؛ ومن أسباب العذاب:
(فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18)وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)) [ألفجر]
الحض على طعام المسكين يستطيعه كل أحد؛ ولو في كتابة تغريدة - كما أفعل الآن - فإن خلت كتاباتك من الحض على طعام المسكين فقد تكون في موبقة! الحض على طعام المسكين - على المستوى العام - لا يحتاج أكثر من تنبيه الناس إلى أن يتذكروا المساكين والفقراء والأيتام؛ وينفقوا لهم من أموالهم، أما الحض على طعام المسكين على المستوى الخاص (الفقهي العلمي) فيستلزم زيادة؛ وهي عمل بحوث ودراسات عن ( واجبات المال في الإسلام)..
لماذا؟
وسيكتشفون من القرآن الكريم؛ أن الواجب في المال أكثر بكثير مما يسمونه (الزكاة)، وهي تلك النسبة البسيطة مما حال عليه الحول..
كلا.. الواجب أوسع.
من محرمات القرآن - مثلاً - ( كنز الأموال)، وكان السلطات عبر التاريخ تحب حصر الواجب في الزكاة فقط، وتهمل تحريم كنز الأموال (مع النص عليه قرآناً)!
فكنز الأموال (محرم قرآناً)، والقرآن مبين واضح في تحريمه وعظيم عقوبته؛ ولكن السلطات - عبر التاريخ - هم شوشوا على هذا:
۞ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)) [ألتوبه]
تصوروا لو أن أصحاب الأموال لم يكنزوها؛ وأنفقوا تلك الملايين في أمرين:
إما صدقات خالصة.
وإما يوظفونها في مشاريع ليجد أهل البطالة أعمالهم!؟
لابد أن يعلم كل تاجر أن الكنز محرم قرآناً، ولكن السلطات عبر التاريخ يحبون كنز الأموال، وأنهم اختاروا فقهاء يخرجونهم من هذه الورطة..
وبس!
لن ينفعكم التراث ولا اتباع ما وجدتم عليها ما سلف من الآباء؛ أنتم مأمورون باتباع (ما أنزل إليكم من ربكم) وليس باتباع السلف ولا غير السلف.
كل ما فضل عن حاجتكم أيها التجار يجب عليكم إنفاقه؛ فالمهم ألا تكنزوا الأموال..
أتريدون أن تسمعوا جواب الله؟
فاسمعوا
۞ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)) [ألبقره]
هذا الإنفاق ليس بالضرورة أن يكون تبرعاً؛ وإنما منه توظيف المال في المجتمع؛ ليجد الناس في هذا التوظيف أعمالهم وأرزاقهم..
لكن إياكم والكنز.
السلطات وفقهائها - عبر التاريخ - خلطوا الأمور وأغمضوا الواضح وزين لهم الشيطان أعمالهم لدرجة أن الآيات الواضحة جداً أصبحت غامضة جداً!
لن ننسى عدونا الأول (الشيطان)، فله دور في كل إفساد في الأرض؛ وهو أهم أهدافه:
1- الوعد بالفقر:
(الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)) [ألبقره]
2- (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون):
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)) [ألبقره]
من الواجبات المالية الرئيسة في القرآن - مما لا يدخل في ما يسمونه (الزكاة) - الإنفاق على ذوي القربى، كما في الآية:
۞ (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)) [ألبقره]
فالآية الكريمة فيها الإنفاق على ذوي القربى واليتامى والمساكين، وفيها الزكاة.. فهما واجبان في الآية..
لكن السلطات وفقهائها جعلوها واجباً واحداً!
هذا التخريب الشيطاني -عبر أوليائه الذين لا يبالون بتحذير الله منه - حقق فيه هدفيه:
الوعد بالفقر.
والقول على الله بلا علم.
بهذا الخلط والحصر الشيطان أنتج لنا ثقافة تجلب الفقر، ولم يأت بها إلا بعد أن قادنا للكذب على الله؛ عبر تشريع أحكام يرتاح لها أهل السلطات والأموال والكنوز.
لو التزمنا بالقرآن المبين لما كان هناك جائع ولا عارٍ على وجه الأرض؛ لكن الشيطان لبس علينا ديننا عبر الثقافة النفاقية ومن اغتر بها.
سيبقى التاجر تاجراً إذا تجنب الكنز ووظف أمواله؛ فلا يخشى من أنه سيكون من سائر الناس، فقط عليه الإيمان بمبين القرآن وسيجد المخرج واضحاً.
الغريب أن كل المفسرين لم يستطيعوا تحريف (يسألونك ماذا ينفقون قال العفو) ففسروها تفسيراً صحيحاً بأنه ما زاد على الحاجة!
ممتاز!
فأين التطبيق؟
نحتاج على المستوى الخاص (العلمي) عند الحض على طعام المسكين أن نفرق بين ألفاظ الإنفاق في القرآن.. مثل:
الزكاة.
الصدقات.
فقد تعرضت لتحريف كبير!
الزكاة في القرآن تشمل تزكية النفس بتهذيبها وإصلاحها، ومن ذلك انفاق الأموال، والأدلة كثيرة، مثل (قد أفلح من زكاها)، أو
(الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7)) [فصّلت]
فالزكاة في الآية الأخيرة تشمل كل شئ يهذب النفس ويصلحها؛ لذلك لم يذكر الصلاة هنا؛ فإذا غابت الصلاة شملتها الزكاة؛ فالزكاة معنى واسع، والصدقات في القرآن هي ما نسميه اليوم (الزكاة)، لقوله تعالى
(۞ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)) [ألتوبه]
وللمتواتر من السيرة أنه بعث مصدقين، فقولهم في السيرة (بعث النبي مصدقين) إي من يجلبون الصدقات التي يجب على الدولة جلبها اجبارياً ممن وجبت عليهم، ولكن ليس كل واجب تجبر عليه، فالكنز مثلاً محرم، ولا يجب على الدواة إجبارك على إنفاقه؛ فهناك مساحة تركها الله لك أنت؛ لتراقبه هو؛ وتطيعه مختاراً؛ وأكثر الدين اختياري.
واعني بقولي اختياري؛ أي أن لك الحرية فيه؛ فلك الحرية أن تكنز أو تنفق؛ أن تبخل أو تكون كريماً؛ أن تتكبر أو تتواضع.. الخ..
ثم الحساب عند الله.
ستجدون الشيطان يحرض أولياءه على التشويش على وضوح أي فكرة؛ خاصة إذا كانت الفكرة عرضاً لقرآن واضح بيّن قطعي.. الشيطان يعدكم الفقر؛ وقد وفى!
فهذه موبقة واحدة من موبقات القرآن التي أخفاها الشيطان وخففها؛ للهدفين السابقين ولهدف ثالث، وهو:
أن يُدخل المسلمين فيها ليستحقوا العذاب..
وما أكثر الموبقات التي أخفاها الشيطان وخففها لنرتكبها باطمئنان، وما أكثر الصغائر التي عظمها الشيطان وأشغلنا بها ليقنعنا بأننا متدينون عظام!
إذا أردت أن تنجو من هذه الموبقة؛ فلا أقل من أن تضيف هذا الهم الى همومك؛ هم الفقراء والأيتام والمساكين.. الخ.، وتحض على إطعامهم من وقت لآخر، وعلى كل صاحب ضمير حي - من القادرين على البحث - واجب إضافي، وهو:
أن ينتجوا أبحاثاً في (حقوق المال) في الإسلام، ويعيدوا واجباته الأولى القرآنية.
إذا مات أحد من الجوع في افريقيا أو بنجلادش أو الهند.. الخ، فلا تظن أنه لا تلحقك نسبة ما من إثم موته جوعاً، لأنك لم تحض يوماً على طعام المسكين، فإذا كنت البسيط العادي تلحقك نسبة من موت أي ميت من جوع أو يتيم معدم؛ فكيف بالقادرين على التأثير (من سلطات وفقهاء ورجال إعلام وباحثين)!؟
هذا الدين رحمة للعالمين، فلو أن الناس التزموا بتعاليم ما أنزل الله عليهم لما كان هذا الفقر وحياة الضنك ، ولكان أثر دين الله كما يحب الله..
في هذا السياق أتذكر كلمة للإمام علي:
(ما جاع فقير إلا بما مُتِّع به غني)، هذا معناه أن الله قد أعطو الناس ما يكفيهم، لكن أخذ بعضهم حق بعض..
أي أن في أموالك مالا يحق لك.. زفي أموالك حقوق للآخرين، ولو أعطيتها لهم لما جاع أحد.. وبقدر هذا الاستيلاء يعظم هذا الفقر.
(وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)) [ألذاريات]
تذكروا أن الهدف من التغريدات السابقة التذكير بأن (عدم الحض على طعام المسكين) كبيرة من كبائر الذنوب.. هذا هو الهدف؛ وليس الاختلاف في التفاصيل.
ترك الحض على طعام المسكين قرنه الله بالكفر بالله، والتكذيب بالدين.
هذه هي الموبقة المنسية التي اردت التنبيه عليها. فمن وجد نفسه لا يحض على طعام المسكين - لا قولاً ولا كتابة ولا بكلام مباشر مع من يعرف من الاغنياء.. الخ - فهو يعيش وسط كبيرة من كبائر الذنوب.
انتبه ان يشغلك الشيطان بالتفاصيل.. ويدخلك في التاريخ واختلافات الفقهاء، هذا كله تفاصيل صغيرة، اهرب من الموبقة أولاً..
هذا رقم 1..
الباقي يُلحق عليه.