• الموقع : حسن بن فرحان المالكي .
        • القسم الرئيسي : المقالات والكتابات .
              • القسم الفرعي : تغريدات .
                    • الموضوع : منهج ثالث في مراجعة التراث! -الجزء الأوّل- .

منهج ثالث في مراجعة التراث! -الجزء الأوّل-


                  منهج ثالث في مراجعة التراث!

                            -الجزء الأوّل-

الناس في موضوع التراث بين فريقين، فريق يرفض التراث من علو، وفريق ينصر التراث من سفول، لا توسط بينهما.. ومن الأمانة أن نستعرض حجج الفريقين؛ ثم إذا كان لنا مذهب ثالث أن نبينه ونذكر معالمه..
أما الفريق الأول الذي يرفض التراث من علو، فحجته كالتالي؛ وهم يرون أن التراث ضار لمخالفته القرآن والعقل وحقوق الإنسان .. وأنه اصبح حجة كل مستبد وملحد وذام للإسلام .. فرفض التراث من هذا العلو أفضل؛ وهذا الفريق أبرزه ما يسمى (القرآنيون) وأصحاب الإسلام التجديدي - إن صح التعبير - وكذلك أنصار الليبرالية والعلمانية؛ وفيهم فريق معتدل يقول: نأخذ من التراث ما يتفق مع القرآن والعقل والحقوق والحضارة ..الخ.
ولكن؛ هنا ستبقى مشكلة معرفية، وهي العجز عن الحجة الداخلية (من داخل التراث)؛ أي أن الأخذ أو الرفض أصبح وفق أحكام مسبق..
بمعنى؛ قد يدخل في (التشهي) أكثر منه في المعرفة؛ وهنا يتوجب عليهم مزيداً من الجهود البحثية للداخل؛ وقد نواجه نحن اعتراضات من هذا الفريق عندما نستعرض التاريخ وأحداثه والوعي بطبيعة الناس وطواعيتهم للتشكل حسب مراكز القوة، مع أن هذا بحث مفيد.
الفريق الثاني الذي ينصر التراث من سفول، وهم أغلب أهل الحديث والفقهاء والدعاة وسائر العامة .. فهؤلاء يلجؤون للطريقة التقليدية في البحث؛ والطريقة التقليدية هي البحث في الحديث وأقوال السلف مع هجر القرآن والعقل والحقوق.. فهم يرون أن هذا التراث هو شرح للدين، ومحاربه محارب للدين؛ ولهم حجتهم أيضاً، ومن حقهم بيانها؛ وهي: أننا لا ناخذ إلا ما صححه أهل الحديث من الحديث، الذي ينتج عقائد وأحكاماً فقهية؛ فيرون أنهم متبعون.
إذاً؛ هناك فريقان واضحان في موضوع التراث؛ فريق يرفضه بالقرآن والعقل والحقوق؛ وفريق ينصره بالتوغل في تفاصيله، من عقيدة وجرح وتعديل وأقوال سلف؛ والسؤال: هل من طريق ثالث؟ طريق علمي لا إصلاحي؟ طريق يعرف به الفريقان؛ يعرف أساس الخلل الذي أنتج هذا التضاد إذ كل فريق يتدين بذم الآخر ونهجه؟
هناك طريق صعب وشاق، وأرى الفريقين مقصرين فيه، وهو البحث عن  العوامل المؤثرة في هذا التراث؛ هل هي موجودة أم لا؟ ثم ما نسبة أثرها فيه؟
بلغة أخرى؛ هل هناك عوامل مؤثرة في هذا الإنسان العربي؟ ما أبرز العوامل التي تؤثر في العرب اليوم، وهل هي نفسها المؤثرة في العرب قديماً؟
بلغة ثالثة؛ هل تأثرت الأجيال (التراثية) بعوامل ضاغطة أثرت فيهم
من سلطات؛ ورأي عام؛ وطبيعة مجتمع؛ ومستوى عقلي؛  ومنافع ..الخ؛ أم لم تتأثر؟ دراسة هذاه العوامل وبصدق وشجاعة؛ أرى أنها ستقرب بين الفريقين كثيراً.
هل يمكن أن تكون المعرفة والبحث بدلاً من هذا الصراع الأبدي بينهما؟ الفقر كبير عند المسلمين في دراسة (الطبيعة البشرية، والنفوس والمؤثرات فيها، والعوامل المشكلة للرأي العام ومدى استجابة الناس لهذه العوامل)؛ لابد من الإيمان بأن هناك عوامل ضاغطة (رأي عام - سلطات - مذاهب ..الخ) توجه المعرفة نحو أهداف أخرى، ليس منها مصلحة الدين والإنسان كإنسان.
مشكلة الفريق الرافض للتراث، أنه ملول ويحب العجلة واختصار الطريق؛ ومشكلة الفريق الثاني أنه صبور في أسافل العلم الظينة قبل إحكام أعاليه؛ مشكلة الفريق الأول أنه قد يرفض ما يرى صحته قفزاً وعجلة -قلت قد- ومشكلة الفريق الثاني أنه يؤمن بما يخالف القرآن والفطرة والعقل غالباً..
ربما نعذر الفريق الأول أنه تمسك بالأصول (قرآن/ عقل/ حقوق/ فطرة / ..الخ)؛ لكن لا عذر له في التهوين من دراسة (بيئة التراث) والعوامل المؤثرة؛ وربما نعذر الفريق الثاني في تمسكه بالطريقة  التي  يرى أنه سار عليها السلف من صحابة وتابعين ومحدثين وفقهاء .. فهم عندهم أعلم ووأفهم وأقرب؛ ولكن؛ عند التدقيق؛ تستطيع أن تلزم الفريق الثاني بأثر هذه العوامل في (تشكل بيئة ثقافية ما، قد ترفض الحق أو تخفيه وقد تسكت عن الباطل أوتنصره)؛ وقد تستطيع إقناع الفريق الأول، بأنه ليس من البحث ولا دلائل التعقل والمعرفة أن يتم رفض كل هذا التراث، هكذا  دفعاً بالصدر؟
هذا غير معقول؛ لذلك؛ سأحاول في الحلقات القادمة أن أثبت بعض هذه المؤثرات وطواعية الناس لها وسرعة استجابتهم للكثرة والقوة، وما ينتج عن ذلك من تشكيل معرفي.
صحيح أن هذه العوامل قد يفرح بها الفريق الأول دون الثاني في أول الأمر؛ لكن؛ سنصل لأمور لا يحبها لا الأول ولا الثاني، للآثار المعاصرة المؤثرة؛ فلا يظن الفريقان أنهما لا يخضعان لجنس تلك العوامل إلى اليوم. نحن إلى اليوم نخضع للقوة والكثرة والرأي العام، وتؤثر فينا تلك المؤثرات لاشك؛ لذلك؛ نحتاج إلى استعداد نفسي كبير للفهم وتقبل الحقيقة؛ وألا نظن بأن الحق وحده يكفي للقناعة؛ كلا؛ فهذه آيات الأنبياء حسية ومعنوية؛ وقد كُفر بها..
بمعنى؛ استعد لطرد الأفكار المسبقة من عقلك إذا خالفت ما تبين لك من حق؛ ولطرد الهوى والتعصب من قلبك؛ وللشجاعة في التفلت من معتقلات الرأي العام.
في الحلقة القادمة سنحاول الإضاءة على طبيعة هذه النفس الإنسانية التي لا نفهمها؛ النفس الإنسانية يجب فهمها حتى لا نقع فيما وقع فيه الآخرون. ثم في الحلقة التي بعدها سنذكر نماذج تاريخية من آثار الرأي العام والسلطة والقوة على العلم (إخفاءً وإظهاراً وبتراً ووضعاً وتصرفاً وترتيباً)؛ وربما في الحلقة الأخيرة سنذكر (مخالفات التراث في عرض واقع أهله وواقع سلفهم)؛ وسترون المكابرة عند إنساء هذه الحقائق استجابة لتلك العوامل.


يتبع..
لمطالعة "منهج ثالث في مراجعة التراث! -الجزء الثاني-"على هذا اللرابط «««

مواضيع أخرى:
لمطالعة "متفرقات في العقيدة والقرآن والقراءات!"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "لماذا الاهتمام بالتاريخ؟! -الجزء الأوّل -"على هذا اللرابط «««
لمطالعة "لماذا الاهتمام بالتاريخ؟! -الجزء الثاني-" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "لماذا الاهتمام بالتاريخ؟! -الجزء الثالث-" على هذا اللرابط «««
لمطالعة "لماذا الاهتمام بالتاريخ؟! -الجزء الرابع-" على هذا اللرابط «««

  • المصدر : http://www.almaliky.org/subject.php?id=1626
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 02 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 21