قريش في سورة التوبة - الجزء الثالث - وفيه آية السيف ؛ والبيان أنها في قريش وحلفائها ممن نقضوا العهود، وليست في كل المشركين والكفار، فهؤلاء تحكمهم آية أخرى وهي (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)؛ لكن الحلف العريض؛ حتى يخفف عن نفسه الآيات الشديدة؛ كآية السيف؛ وآية الجزية والصغار؛ فقد قلبوهما ضد الآخرين، وأنها شرع عام لله، وضربوا ثلاثة؛ عصافير بحجر واحد:
الآيات ( 2/ 3/..)
كنا في الجزء السابق قد توقفنا عند أول آية من سورة براءة، وحاولنا أن نكشف المعنى القرآني للفظتي (المشركين) و( العهد)؛ وقلنا بأن الأرجح أن الصفتين تجتمعان في قريش التي حاربت كفراً ثم تآمرت نفاقاً، وبين الشرك والنفاق ارتباط قوي جداً؛ ويدل عليه آيات مثل (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ)؛ وتكرر هذا قبل براءة. وستأتي دلائل أن هؤلاء المشركين يتظاهرون بالإسلام؛ مثل (يرضونكم بأفواههم) و (يصدون عن سبيل الله) و(يعمروا مساجد الله) و(يشترون بآيات الله)؛ فهم ليسوا من المشركين المعروفين في الأذهان من عبادة الأصنام والاستقلال؛ كلا؛ هم نوع مخادع ويخالط المسلمين في مساجدهم ويرضونهم بالكلام وينقضون عهدهم في كل مرة، (وهم بدءوكم أول مرة)؛ وغير ذلك من الدلائل والقرائن على أن هؤلاء لن يكونوا إلا قريش الطلقاء ومن مال إليهم وألقى إليهم بالمودة؛ وهذه من دلائل نزول (براءة) بلا بسملة، لأنهم جمعوا الشرك الأول والثاني، ولأنهم حاربوا بالسيف وبالثقافة، ولأنهم أرادوا قتل النبي ثم اغتياله؛ ولأنهم أخرجوا النبي أول مرة وهموا بالثانية (أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [التوبة: 13] ؛ أي بدؤوكم بالإخراج في المرة الأولى! ولم يخرج النبي من أرضه إلا قريش في المرة الأولى!
واضحة!
قريش في سورة التوبة - أول ركن من أركان الحلف العريض- من هم المشركون الذين تقصدهم سورة براءة؟ يمكن معرفتهم بالقرآن وليس بثقافة الحلف العريض؛ وسأذكر الآيات التي تخص قريشاً (مشركيها ومنافقيها)؛ فلا نعمم على الصالجين منهم، وقليلاً ما هم، علماً بأن سورة التوبة نزلت بعد فتح مكة؛ ففتح مكة كان في العام 8هـ؛ ونزول السورة أيام تبوك في السنة 9هـ؛ ومعنى هذا أن كلمة المشركين فيها ليس بالضرورة عبدة الأصنام؛ إنما من يشركون أي نوع من أنواع الشرك الأخرى، كطاعة السادة والكبراء وعبادة الدنيا والعصبية والهوى ... ويدخل فيهم منافقو قريش أيضاً، لنترك الآيات تتحدث:
ذكرنا في الجزء السابق ثلاث دلائل على الحلف العريض، وإن كان بعضها جزئياً، وسنستكمل الآيات الدلائل ونركز على (قريش الطلقاء)؛ وكانت أحد الأحلاف الكبار، وكانوا قد نقضوا عهودهم، وهم المقصدودون بكلمة (المشركين)؛ فالشرك النسبي موجود فيهم على الأقل؛ ونعني بالنسبي أنواع الشرك غير عبادة الأصنام، اي عبادة الدنيا والسادة والكبراء والهوى... كل هذا من الشرك؛ بل إن النبي لم يحكم بإسلامهم عندما قال (ماذا ترون أني فاعل بكم)؟ وهم لم يؤمنوا بنبوته عندما قالوا (أخ كريم وابن أخ كريم)؛ لم يقولون : نبي ؛لم يقولوا : نبي كريم ابن أخ كريم؛ فالموضوع عندهم لا نبوة بعد! وعندما قال النبي (اذهبوا فأنتم الطلقاء) قالها قبل إظهارهم الإسلام؛ لم يقل: اذهبوا فإنتم المسلمون؛ أو اذهبوا فقد أسلمتم؛ كلا. هم طلقاء فقط، معفو عنهم ما سبق، والعفو في الدنيا فقط؛ كالعفو عن المنافقين؛ لا فرق.
أول دلالة: اسم السورة وكونها بلا بسملة، وقد جرت محاولات لطمس هذه الدلالات - وإن كانت دلالات جزئية جداً - بزعمهم أن براءة نزلت في حق المشركين، فلذلك لم تكن فيها بسملة، وهذا تبرير ضعيف، فسورة الكافرون نزلت في حق الكافرين؛ وكانت فيها بسملة؛ وقيل لأن التوبة والأنفال كانتا سورة واحدة، وهذا باطل؛ فالأنفال نزلت في العام الثاني وبراءة في التاسع؛ فالله قد يترك لنا دلائل - ولو ظاهرية أو جزئية – لنتوقف عندها، لكن ثقافة الحلف العريض تسخف هذه الدلائل وتجعلها عادية جداً، وهذا مطرد - كما سيأتي - والدلالة الأبرز في عدم وجود البسملة في سورة براءة أنها نزلت في (قوم جمعوا بين الكفر القديم ومحاولة الانقلاب على الإسلام بعد إسلامهم ظاهراً)؛ بمعنى أنهم تجاوزوا كل الحدود، فكانت براءة بمثابة الإنذار النهائي لهم والتحذير النهائي للانخداع بهم، وبعثرة أحلافهم والتنقيب عن كوامنهم.. الخ.
لن تدرك حقيقة الجزئيات والتفاصيل مالم تدرك الحقائق الكبرى الحاضنة المهيمنة، منها ستفهم الجزئيات؛ فمثلاً؛ أقوى رد على داعش اليوم، لن يكون قوياً إذا أنت رددت عليها هي بعيداً عن التراث القريب، ولن يكون ردك على التراث القريب قوياً إلا بالرد على التراث الأوسط (تراث ابن تيمية مثلاً)؛ ولن تكون قوياً في الرد عليه إلا بالرد على التراث القديم (القرن الثالث)؛ ولن تكون قوياً في الرد على تراث القرن الثالث إلا بمراقبة بناته ومروجوه في القرن الثاني والأول؛ ولن تكون قوياً بالرد على أخطاء الرواة هنا إلا بمراقبة الأثر السياسي والنفاقي ..الخ؛ ولن تستطيع معرفة الثقافة النفاقية وخطورة المنافقين إلا من أصح مصدر عند المسلمين؛ وهو القرآن الكريم؛ وهكذا؛ أبدأ باليقين.
ذكرنا في الجزء السابق ثلاث فئات من الفئات التي كشفتهم سورة التوبة، وحذرت منها، وهم:
1- فريق من الذين أوتوا الكتاب.
2- قريش؛ قبل تظاهرها بالإسلام وبعده.
3- فريق من المسلمين، الطرف الأهم، (وهم حلقة وصل بين اليهود وقريش).
ويكمل هذا هذا الحلف الثلاثي:
لي تعليق لاحق على الحوار؛ وتعقيب على الأستاذ إياد جمال الدين؛ أوافقه في بعض ما قال؛ وهو كثير؛ وأخالفه في بعض آخر؛ وهو قليل؛ وأتوقف في بعض ثالث.. وقبل التأييد في نقاط والتعقيبات والملاحظات في أخرى هذه مقدمات:
أولاً: الدخول في حوار مع المختلفين (ملحدين/ يهود/ نصارى) أمر إيجابي وضروري.